عادة عند حلول ذكرى عيد الاستقلال الوطني، تشهد بلادنا سلسلة من الندوات والمحاضرات استذكارا لروح المقاومين ومؤسسي حلم الدولة ألموريتانية الشيء الذي يضع على عاتقنا أن نكون حياديين وشموليين في الوقوف على ذكر هؤلاء الأبطال ومآثرهم بكل أمانة وتجرد.
وانطلاقا من هذا نقف اليوم مع سيرة البطل المقاوم: المختار ول أحمد ول الزيزه (رحمة الله عليه ) المولود بمدينة أطار في العام 1891 ميلادي، حيث نشأ المختار في منطقة آدرار كمرحلة اولى قبل أن يتنقل بينها وبين منطقتي تكانت والحوض ، لتبدأ مرحلته مع ممارسة التجارة في هذه المناطق.
في العام 1957 ذهب في رحلة تجارية الى مدينة – كليميم – والتي أقام بها فترة من الزمن حتى تمكن من بيع بضائعه هناك ، خلال تلك الفترة دعا الملك المغربي آنذاك محمد الخامس إلى قتال الفرنسيين وتحمله لنفقات المقاتلين من سلاح ومؤن ، لمست دعوة الملك في نفس المختار حبا للوطن ورغبة في الجهاد لتحرير أرضه من وطأة المستعمر، ليوافق على الانضمام الى تلك الحملة حيث قادها الى كدية تكل في ولاية آدرار وتحصنوا بها ، وكان قوام تلك الحملة 300 مقاتل ، بعد وصولهم الى هناك قرر المختار الذهاب بنفسه إلى مدينة أطار لطلب المقاتلين واستطلاع معلومات عن الفرنسيين هناك ، الشيء الذي لم يتحقق خصوصا فيما تعلق منه بتجنيد الرجال.
في نفس الليلة وصلت معلومات جديدة عن فرقة فرنسية من العربات والمشاة ستمر خلال أيام بمحاذاة كدية تكل ، حينها بدأ المختار ورفاقه بالاستعداد للمعركة.
بعدها بأيام وفي عصر يوم سبت وقعت الفرقة الفرنسية تحت مرمى نيران المقاومين الذين كمنوا داخل الكهوف ، حيث دامت الاشتباكات لمدة شهر تكبد الفرنسيون فيها عددا كبيرا من الخسائر والقتلى ،واستخدموا فيها (كوميات) كدروع بشرية للتخفيف من نسبة القتلى في صفوف الضباط الفرنسيين.
حينها حسم الطيران العسكري المعركة بعد قصفه لمؤن المقاومين ومخازن أسلحتهم ودب الانقسام في صفوف المقاومين ووقع المختار في أيدي الفرنسيين رفقة عدد من الصحراويين والمغاربة.
لدى وصول الخبر إلى مسامع الأمير حينها أحمد ولد الداه ولد احمد لعيده ، أبلغ الفرنسيين بطلبه عدم نقل المختار الى السجن في السينغال وإبقائه داخل الاراضي الموريتانية.
إستجاب الفرنسيون في مرحلة التحقيق مع المختار لهذا الطلب ، حيث تمت جميع التحقيقات معه منطقة آدرار ، وخلال التحقيق تعرض لشتى انواع التعذيب دون ان يكشف عن الجهة الممولة للمقاومين حينها.
بعدها نقل رفقة باقي السجناء الى السنغال حيث قضى هناك سنتين ونصف في زنازين ضيقة وظروف صعبه.
في أحد الأيام أبلغو من طرف السجانين انهم ستتم محاكمتهم قريبا وسينفذ فيهم حكم الإعدام
بناء على هذه المعلومة ، أظلمت الدنيا في أعين السجناء وشرعوا في وداع بعضهم البعض ، الشيء الذي لم يشكل في نظر المختار فرقا كبيرا ،فمن قتل على يد المستعمر آنذاك فقد نال الشهادة ، وكان رحمة الله شاعرا وأديبا حيث كتب بهذه المناسبة:
كالول تلبنار.......... فيها كثرت لخبار
ء فيها محسوب العار.... ء مردة تكان
ء فيها موت الكفار.....محسوب خيان
ء شي ياسر من لكثار.. مجاري لمعان
يقير آن فكري....... جايبلي عن يان
تلبناري بكري......... عدلها مولان
بعدها بشهرين وفي يوم المحاكمة التقى بضابط فرنسي اسمه (بلي) سبق ان كان حاكما في أطار، فقال للمختار.. (انت جايب لنا الصحراويين يقاتلونا فارضنا لاش ) فأجابه بقوله ( ماني جايبهم لكم، انا جايبهم لأرضي ندورها تتحرر منكم )
تم تحويل السجناء بعد المحاكمة لسجن أفضل ظروف من سابقه ، الشيء الذي تزامن مع زيارة ملك المغرب محمد الخامس للسينغال ، حيث اصطحب معه لدى العودة الى وطنه السجناء المغربيين ولم يسلمه الفرنسيون المختار وباقي السجناء ، الشيء الذي حز في نفس الملك وعبر عنه بشكل شخصي ، قبل أن يطمئنه بقرب إطلاق سراحه نتيجة لاستقلال موريتانيا الوشيك ، حينها دعا المختار للملك وطمأنه بقوله:
يالمليك الواعد (مروك)............... الله ينك بعد الشوك
من كدامك ء تعود عدوك......... تحشم ء يحشم لمعاديك
ء احشم هذي مافيها روك... من يوم كعدت على كرسيك
انخلعو ذوك ء فرحو ذوك.........من امجيك الله اينجيك
واحن كلت مشيك بين...............لا تجلج بيك ء خليك
ظلك بارد هون علين................ يالمليك الفيد المليك
بعد استقلال موريتانيا وفي نفس العام اطلق سراح المختار ول اللزيزه ،واستقر في العاصمة نواكشوط قبل ان يسجن بعدها عدة مرات تزامنا مع مقتل عدد من الفرنسيين آنذاك ، ليطلق سراحه ويوضع تحت الإقامة الجبرية إبان حكم الرئيس المختار ولد داداه.
في العام 1975 قرر التوجه لأداء فريضة الحج ، الشيء الذي لم يتحقق له بسهولة في ظل الإقامة الجبرية.
في حكم الرئيس محمد خونه ولد هيداله، عاد ول الزيزه إلى الديار المقدسة ومكث هناك 3 سنوات ليعود بعدها إلى موريتانيا وبقي فيها إلى أن وافاه الأجل المحتوم في سنة 2000 ميلادي بالعاصمة نواكشوط.....
تغمد الله البطل المقاوم وأسكنه فسيح جناته.
بقلم / الحسن المهدي