أظهر تنازل الرئيس الغامبى المنتهية ولايته "يحي جامى" عن السلطة ومغادرته البلاد بشكل نهائى تناقض دول "الإكواس" التى حشدت قواتها بالجارة السينغال من أجل تمكين الرئيس المنتخب "آداما بارو" من ممارسة مهامه وإزاحة الديكتاتور الرافض لحكم صناديق الإقتراع.
القوات السينغالية التى رابطت على مشارف غامبيا بدعم فرنسى ومساندة من بعض دول القارة ، قررت خلال الساعات الأولى من فجر الأحد 22 يناير 2017 اقتحام الحدود الغامبية والتمركز داخل نقاطها الحيوية - بعد الحصول على الإذن الفرنسى - فى محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع واحتلال الجزيرة المتمردة منذ 22 سنة، رغم سقوط أوراق التوت بمغادرة الرئيس المنتهية ولايته "يحي جامى" وأركان حكمه للعاصمة بانجول إلى منفاه الاختيارى ، طبقا للإتفاق الذى أبرمه مع الوسطاء برعاية أممية قبل يومين.
لقد حاولت السينغال ووكلائها بالمنطقة طيلة الأيام الماضية الترويج للتدخل العسكرى فى غامبيا من بوابة احترام أصوات الناخبين والانحياز لصوت الحكمة والديمقراطية، والتمكين لرئيس منتخب من ممارسة مهامه على الأراضى الغامبية بعد إنقلاب "جامى" على إرادة الناس، لكن رحيل "جامى" وقبوله بمجمل الشروط التى وضعها الوسطاء لحل الأزمة، أظهر أن السينغال لم تتحرك لعيون "بارو" الصغيرة، بل من أجل مصالحها السياسية والإقتصادية، باعتبارها لحظة فارقة فى العلاقة بين البلدين يجب استغلالها من أجل فرض سلطة الأمر الواقع على الشعب الغامبى، وتشويه العملية الديمقراطية من خلال ربطها بالتدخل الخارجى واظهار دعاة الديمقراطية فى افريقيا وكأنهم تبع للآخر ينفذ بهم أجندته فى الوقت والمكان المختار.
لقد أنشغل "بارو" باستعراض زوجاته أمام وسائل الإعلام العالمية والإستماع إلى المغنى السينغالى "يوسف أندور"، مكتفيا بما تجود به الجارة السينغالية من سيادة وسلطة، بينما كان "مكى صال" يرتب أوراقه الداخلية لاحتلال "غامبيا" وإعادة الوحدة بالقوة بعد أن ألغيت بالقوة سنة 1989 واضعا المنطقة على شفا حرب أهلية جديدة رغم تحذير كل العقلاء.
لقد غادر "يحي جامى" السلطة وسمح للرئيس المنتخب "بارو" بالعودة، لكن للسينغال مطامع أخرى لاعلاقة لها بتنصيب الرئيس الجديد أو تنازل الرئيس المهزوم، لقد بدت الصورة أكثر من واضحة فجر اليوم الأحد .. إنه احتلال آخر سيدرك الجميع بعد أيام أن تداعياته على الأمن والديمقراطية وأسس التعايش داخل القارة السمراء أخطر بكثير مما توهم بعض السذج خلال الأيام الأخيرة.
(*) قوات الإكواس دخلت وهي تحمل أعلام السينغال