رئيس الحزب الحاكم بموريتانيا .. هل أزفت لحظة التغيير ؟

شكل الاستفتاء الدستورى بموريتانيا محطة حاسمة من تاريخ الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، بعد أشهر من الصدمة الداخلية إثر قرار بعض الأوساط الفاعلة فى الأغلبية الإطاحة بمشروع الرئيس المقدم للبرلمان فى تصويت قلب الطاولة وشكل مفاجئة للجميع.

 

وطالت تداعيات التصويت داخل مجلس الشيوخ والجدل الدائر داخل الأغلبية الحاكمة الذراع السياسية للأغلبية، وتحركت قوى الرفض داخل المجلس وخارجه للإطاحة برئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم ، بوصفه أحد صناع القرار و"المحرض" الأبرز للرئيس – كما يصفونه- على اتخاذ القرارات التى أشعلت غضب المناوئين له، كحل مجلس الشيوخ وإلغاء بعض المجالس الدستورية والدفع باتجاه مراجعة أولويات الرئيس والحكومة والدفع باتجاه تشكيل لجان جهوية قد تقلص من نفوذ البعض وتمنح آخرين مساحة أكبر للحركة فى جمهورية ثالثة حاول ولد محم تمريرها عبر ترسانة من مشاريع القوانين طرحها فى الحوار الشامل أكتوبر 2016، وروج لها عبر الإعلام كلما سنحت له الفرصة بذلك .

 

 ولم تكن القرارات الأخيرة السبب الوحيد وإن كانت الأبرز فى ما آلت إليه العلاقة بين الرجل وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ، وبعض رجال الأعمال فى الداخل والخارج، فالمحامى القادم من عمق المؤسسة التقليدية، بعد تربص حركى ساهم فى تكوين شخصيته السياسية، تصدر المشهد بشكل مفاجئ منذ 2008، بعدما أختار أن يكون رأس الحربة فى مواجهة نظام الرئيس سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله بفعل العلاقة التى تربطه برئيس الحرس الرئاسى السابق محمد ولد عبد العزيز والموقف الذى أتخذه خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس ولد الشيخ عبد الله بفعل انحياز الأخير إلى ابن عمه وخصمه المحلى فى انتخابات 2006 الوزير أحمد ولد سيد باب لعامل العلاقة السابقة بين الرئيس والوزير والتجربة التى جمعتهما إبان مرحلة الرئيس المرحوم المختار ولد داداه.

 

تصدر منح النائب سيدى محمد ولد محم قيادة محكمة العدل السامية التى أسست للضغط على الرئيس المنقلب عليه سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله، قبل أن يتولى مهام وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة فى أوج الحراك المناهض للرئيس والإضطرابات التى عاشتها موريتانيا إبان الربيع العربى، ومع نهاية الأزمة الداخلية واحتواء التوتر، غادر ولد محم التشكلة الوزارية لمنزله بضواحى العاصمة نواكشوط فى تعديل وزارى مفاجئ من قبل الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف، قبل تكليفه بمنصب نائب رئيس الحزب مع زميله وغريمه اسلكو ولد أحمد أزدبيه.

 

غير أن الصدام المبكر بين الوزير اسلكو ولد أحمد أزدبيه القادم من ديوان الرئيس وأغلب قادة الحزب وأطره، دفع الرئيس إلى مراجعة الموقف واقتراح الوزير سيدى محمد ولد محم رئيسا للحزب الحاكم فى السادس من سبتمبر 2014، وهو القرار الذى مرر فى مؤتمر استثنائى بنواكشوط.

 

مهمة قاد فيها ولد محم الحوار الشامل الأول إلى جانب الوزير الأول الحالى يحي ولد حدمين، ثم كلف لاحقا بسلة من المهام، كان أبرزها إعادة ترميم الحزب والتمكين له دون إفراغه من كوادره التقليدية والعمل من أجل استقطاب بعض الأوساط المناهضة له فى ساحة المعارضة والأغلبية، واحتواء الخلاف الدائر بين رفاق الرئيس الثانى للحزب محمد محمود ولد محمد الأمين وأنصار الرئيس الثالث للحزب اسلكو ولد أحمد أزدبيه، ممن أمسكوا قبضتهم بقوة على مفاصل الحزب فى تغيير كبير أجراه الرجل قبل رحيله المفاجئ.

 

غير أن رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم لم يتمكن من طيلة مقامه فى الحزب من أجراء أي تغيير، بفعل الرغبة فى إنضاج مؤتمر عام لجمع شتات الأغلبية لم تتوفر له الرظوف والحاجة إلى اعطاء صورة مغايرة عن سلفه الذى أطاحت به خطواته المتعجلة. وأكتفى الرجل بإدارة العملية السياسية بالموجود من الطاقم الحزبى، مع تذمر لم تخفيه بعض الأوجه التى كانت تتطلع إلى حضور أكبر فى القيادة وتكليف أوسع فى ظل تصاعد نفوذ الحزب وهيمنته على الحكومة والإدارة وحضور رئيسه الفاعل فى مجمل القرارات والأنشطة المرتبطة بالمسار السياسى داخل البلد.

 

لم ينج ولد محم من سهام النقد داخل الحزب، فقد نظر إليه عدد من شباب الحزب بقدر من التحفظ وأشعل بعض شيوخه نيران الغضب الداخلية، وأعتبر آخرون أن النزعة السلطوية لدي المحامى أقوى مما عهدوا فى التشكيلات السياسية بالبلد.

 

وأبدى عدد من رفاقه فى الحكومة تذمرهم مما أسموه بالتدخل فى ملفات بالغة التعقيد، وسحبها من أصحابها بالكامل كالعلاقات الخارجية، بعد أن تولى الحزب إدارة الأزمة مع المغرب بالتشاور مع الرئيس، وهو ما أعتبر تحييدا لوزير الخارجية عن مجمل تفاصيل الملف من التصعيد إلى التهدئة، قبل انسحاب الحزب من الملف اثر جنوح الأطراف للتهدئة تاركا للوزير استقبال الضيوف بعد أن تقرر تجاوز الصراع وفتح أبواب الحل اثر اعتذار الرباط.

 

كما أتهمه آخرون بالهيمنة على الإعلام العمومى، واستثمار ثقته لدى الرئيس من أجل تأميم مؤسسات حكومية ذات صفة عمومية، وساهم مقترحات الرئيس فى تعزيز قبضة ولد محم على الإذاعة والتلفزيون خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.

 

يوصف سيدى محمد ولد محم من قبل معارضيه بالرجل المضحى بكل شيء من أجل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويقر الرجل بدفاعه وانحيازه للرجل الممسك بزمام الأمور خلال العقد الأخير، معتبرا أن الدافع الأول لمواقفه هو الحرص على مصلحة البلد ومعرفته بالرئيس أكثر من غيره، ممطرا الرجل بصفات ظلت محل تندر لدى المعارضة كوصفه الدائم للرجل ب "الرئيس المؤسس" فى مزاحمة معنوية لشعور ظل يحتكره رئيس البلاد الأول المختار ولد داداه عليه رحمة الله ، وأثار الكثير من اللغط بعد أن خرج عن خط المتحدثين ليلة ختام الحوار الشامل رافضا فكرة إلغاء المأمورية الثالثة بالكامل ، ومتشبثا بما أسماه عبور البلد الآمن بالرئيس نحو الجمهورية الثالثة رغم رفض الرئيس وتصريحه العلنى.

 

وقبل الاستفتاء الدستورى أحيل للرجل ملف ولاية أترارزه تحضيرا لحراك الرئيس فى الداخل، مستغلا روابط اجتماعية قديمة بمركز صناعة القرار بالولاية (بوتلميت) من أجل تجسير الهوة التى كانت قائمة بين الرئيس وعدد من شيوخ المنطقة، وكرس مجمل حراكه فى الداخل بين مراكزها الفاعلة "أركيز" و"روصو" و"المذرذة" و"كرمسين" ، قبل أن يعود للعاصمة لتسيير بعض الملفات المركزية فى الحملة بالتعاون مع "الحملة الموازية"، باعتباره عضو المنسقية العليا للحملة المحضرة للإستفتاء.

 

غير أن مرور ثلاث سنوات على قيادة الرجل للحزب تبدو كافية فى نظر العديد من مناوئه، ويرى بعض معاونيه أن الوقت قد حان كذلك لتكليفه بمهام أخرى فى الفترة المتبقية من المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس وفق الدستور المعمول به فى الوقت الراهن.

 

وتميل أكثر الترجيحات إلى نقل ولد محم إلى منصب الأمين العام للرئاسة فى التولفة الوزارية القادمة، وهو المنصب الذى بات واجهة الفعل السياسى الفعلى للرئيس خلال الفترة الأخيرة، أو وزارة العدل حلم أي محامى يدخل المهنة منذ يومه الأول، مع حاجة قطاع العدالة لملم بمشاكله، وفاعل لديه الرؤية والقدرة على تحريك ملفاته الصعبة والمترابطة.

 

وبغض النظر عن وجاهة الطرح من عدمه ، يظل مصير ولد محم وآخرين بيد الرئيس صاحب القرار الأول بحكم المواد الناظمة للحياة السياسية فى الدستور الأول والمعدل، وتظل علاقة الرجلين هي من يحدد مسار تحول ولد محم من قيادة الحزب إلى المجال التنفيذى أو التمديد له فى منصب يرى الكثير من المتابعين أن رحيله منه بات أكثر من وشيك.

 

موقع زهرة شنقيط