قال الكاتب الصحفى المتابع للشأن الإيرانى الحافظ ولد الغابد إن الحراك الشعبى الإيراني المتصاعد هو نتاج عدة عوامل داخلية وخارجية، أبرزها صوت الثورة الإيرانية المخنوق منذ انتخابات 2009 ، وتقويض الحراك المطالب بالتغيير بقيادة "مهدى كروبى" ورفيقه "أمير حسين موسوى".
وأضاف ولد الغابد فى حديث مع موقع زهرة شنقيط اليوم الأحد 31 دجمبر 2017 إن الوضع الإقتصادى الصعب الذى أنتجته سنوات الحصار الطويلة، وسوء تسيير المتاح من الثروة، مع تراجع مستوى الحريات داخل البلد، وهيمنة بعض القوى الفاعلة فى النظام على صناعة القرار وتسيير المؤسسات السياسية كلها أمور أنتجت ثورة صامتة، ستنفجر عاجلا أم آجلا، بحكم العديد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فى صناعة المشهد الإيرانى.
وقال ولد الغابد إن النظام الإيراني كان على موعد مع تغيير هادئ 2009 والانتخابات التى تلت ذلك، بما يحقق الإنفتاح الذى تدفع إليه القوى الشبابية والثورية بالبلد، مع حفظ مصالح النخبة الحاكمة منذ ثورة الخمينى 1979.
وأعتبر ولد الغابد أن الخوف من ثورة غير متحكم فيها، والصراع مع التيارات الجديدة (الليبرالية وغير الليبرالية) ساهم فى تقويض التجربة وإجهاض مشروع التحول الهادئ، وكان "الحرس الثورى" والقوى المشابهة له الأداة التى أستخدمها الممسكون بزمام الأمور من أجل الإجهاز على خصومه فى الداخل، وقطع الطريق بالقوة أمام أي تدخل من الخارج مهما كان.
وأعتبر ولد الغابد أن المجتمع الإيرانى يعيش على وقع مخاض جديد، يتطلب من السلطة الإيرانية (بمختلف مستوياتها) التكيف مع الواقع الجديد، مؤكدا أن استمرار السلطة فى اعتقال المعارضين البارزين حوالي 10 سنوات أمر غير مبرر وغير متفهم داخليا أو خارجيا.
وأعاد الكاتب الصحفى الحافظ ولد الغابد عمق الأزمة الإيرانية إلى التحكم المبالغ فيه من قبل المرشد وحراس الثورة فى العملية السياسية، وخصوصا الانتخابات الرئاسية، من خلال الرفض المبكر لترشيح البعض لنفسه، وقطع الطريق على أي توجه مناهض للمؤسسة الدينية الممسكة بزمام الأمور، بل إن بعض المنتمين إليها تم التحفظ عليهم كما حصل مع الرئيس السابق أحمدى نجاد.
ويرى ولد الحافظ أن ترشح أكثر من 1600 شخص للانتخابات الرئاسية الأخيرة ( بينهم 137 سيدة) يعكس حجم الرغبة فى التغيير لدى قطاعات عريضة من الشعب الإيرانى ونخبه الواعية بعمق الأزمة الداخلية ، لكن الصراع فى النهاية تم حسمه من خلال طرح خيارات محدودة أمام الناخبين ( أقل من عشرة مرشحين من المحافظين) لغوض غمار التجربة، وهو ماسهم فى نجاح الرئيس الحالى بشكل مريح.
إيران والربيع العربى
ولعل الأغرب فى المعادلة الإيرانية هو الموقف المفاجئ لطهران من مجمل الثورات التى وقعت فى المنطقة، والتى حملت بعض الإسلاميين لواجهة المشهد و سمحت بالحضور القوى للبعض الآخر.
فإيران التى دفعت باتجاه الثورة لأكثر من ثلاثة عقود، وظلت المتهم الأبرز بتصدير الثورات ودعم الإسلاميين فى الدول العربية والإسلامية ،كان موقفها من الثورات العربية سيئا وسلبيا، بل إنها كانت أكثر تشدد تجاه الثورات من مشيخات الخليج العربى (أعداء الثورة التقليدين)، وهو مايعكس حالة الإرباك الداخلى لدى القيادة الإيرانية، والخوف من أي تغيير جدى بالمنطقة قد تكون له تداعيات مباشرة على ما أنتجته ثورة 1979 فى الداخل الإيرانى من تحكم تيار المرشد فى مسار البلد والثورة والثروة.
التوسع الإقليمي
ويرى الصحفى المتابع لشؤون الشرق الأوسط الحافظ ولد الغابد أن انشغال إيران فى السنوات الأخيرة بالتوسع الإقليمي الداعم لجيوبها المذهبية ، وبعض التيارات السياسية، بدل الاهتمام بالداخل، والنجاحات السريعة التى حققتها فى هذا السياق، جعلت القيادة الإيرانية تنشغل عن تدبير شؤون الداخل والتعامل مع الظرفية السياسية المعقدة فى المنطقة بحكمة ورؤية إستراتيجية، مما قد يجنبها المزالق والثورات الداخلية.
ويعتبر ولد الغابد أن الحكومة الإيرانية لو أنفقت 35% من الأموال التى صرفتها فى الحروب داخل بعض الدول المحيطة بها ( سوريا/ العراق/ اليمن/ أفغانستان) لتمكنت من خلق حالة اقتصادية فى الداخل، تنزع بموجبها فتيل التذمر الشعبى لدى فئات عديدة عانت ولسنوات طويلة من تداعيات الحصار وتبريراته.
ومن المؤسف أن هذه الحروب لم تقد لرخاء بالمنطقة، بل زادت من وتيرة التمزق وإشعال الحروب الطائفية والمذهبية بالمنطقة، بعد قرون من التعايش بين مجمل مكوناتها الداخلية.
قمع الثورة أو احتوائها
ويعتقد ولد الغابد أن القيادة الإيرانية قد تتمكن من احتواء الحراك الحالى، عبر المزاوجة بين خيار القمع والإصلاح الجزئى، مع التلويح بإصلاحات جديدة جزئية، قد تعزز من الحالة الاقتصادية للمعدمين بإيران، لكنها فى النهاية إجراءات تظل محدودة ومسكن غير قادر على احتواء المخاض الكبير الذى يعيشه المجتمع الإيرانى فى المرحلة الحالية.
ويظل دعم بعض القوى الخارجية للحراك مطروحا، من أجل تقسيم الأجهزة الداخلية الفاعلة فى المجتمع الإيرانى،مما سيقود حتما إلى تغيير كبير فى البلاد.
ولعل الخيار الثالث الأقرب لما يجرى فى الوقت الراهن هو انضمام إيران إلى بؤر التوتر بالمنطقة الإسلامية، من خلال العجز عن الحسم وترسخ حالة التدخل الخارجى، الذى يستهدف فى النهاية إنهاك الدولة الإيرانية ومصادر مؤسساتها الداخلية والإجهاز على التقدم الذى تعيشه فى بعض الجوانب العلمية والاقتصادية خلال الفترة الأخيرة.