مركز اعوينات ازبل بين التَّبَعِيَةِ والتَّهْميشِ

 

يُحْظَى مركز اعوينات ازبل بموقع جُغرافي لا بأس به كان من حَقِّه أن يُخَوِّلَ له التَّبَوُّأَ إلى المكانة التي تليق به.

فمن حيث النشأة نجده من أعْرَق المراكز الموريتانية وأقْدمها، فقد وُضِعَتْ اللَّبِناتُ الأساسية لتأسيسه قبل الاستقلال، ومن حيث الكثافة السكانية يبلغ عدد سكانه اثنا عشر ألف نسمة أو يزيد على ذلك، وتُقَدَّرُ ثروته  الحيوانية أيضا في المقابل ب 106315 رأس، وتبلغ مساحته الترابية 1520 كلمتر مربع...

ومع ذلك كله قد شهد الكثير من الإقْصاء عَبْر العُقود الماضية إضافة إلى عدم تفعيل المشاريع الوَهْمية التي يُتَحَدَّث  عنها للساكنة في البرامج الانتخابية عند كل انتخابات، لكن سُرْعان ما يَفِلُ نَجْمُها بعد نهاية الاقتراع...

ومن أبسط المسائل التي يُتلاعب بها مُقَوِّمات الحياة التي لا أساس لوجود أيِّ كِيَانٍ اجتماعي دونَها _الماء والكهرباء_ فلعوينات إلى اليوم لا تشرب إلا من القُرى التي غَرْبَها، والكهرباء التي طالما طالب بها السكان عَبْر العقود الماضية لم يَأْتِ منها سوى مُوَلِّدٍ كهربائي محدود الإنتاج لا يستطيع مُواكَبَةَ الساكنة ولا تَغْطِيَة حاجِياتهم على الوجْه المطلوب، بل يَتَقَطَّع في اليوم أكثر من مرة؛ ليأخذ قِسْطا من الراحة في ذلك الانقطاع ثم يَتَلاشى من جديد، ويبدأ في الإنتاج بعد ذلك...

والسبب في هذا كله هو ثُنائيُ: "التَّبَعِيَةِ وَالتَّهْمِيشِ" اللذَيْن يعاني منهما المركز...

فالتهميش بسبب إِقْصَاءِ أُطُرِ مقاطعة جگني للمركز؛ لأنهم لا يريدون له النهوض ولا أن يكون ذا قوة وازنة داخل المقاطعة؛ فذلك يهدد أعْرافهم الاجتماعية وكياناتهم القبلية التي تقوم على تُرَّهات الأُسَرِ وأرْكان القبائل (لَفْخَاظْ)، ولعوينات تحتضن في حِجْرها بعض الرَّكائز التي تعتبر امتدادا لنفس القبائل في مقاطعة جگني، واستقلالها عنهم يعتبر ضعْفا سَيُفْضي بهم لا محالة إلى نقص نفوذهم وتَشَتُّتِ كلمتهم...

والتَّبَعِيَةُ بسبب ضعف مسؤوليها وقبولهم للتبعية والهَرْوَلة وراء مسؤولي جگني مقابل مصالح محدودة ودراهم معدودة  يَحْصدونها داخل جُيوبهم؛ ليروح السكان الذين لا حول لديهم ولا قوة ضحايا ذلك...

ضحايا الصَّفَقات المشبوهة التي لا تُقدم ولا تؤخر...

ضحايا المواقف السياسية التي لا استثمار وراءها، ولا مبادئ شريفة تدافع عنها...

لنتأكد جميعا من أن لعوينات لولا تبعيتها العَمْياء لجگني وإقْصاءَها من طرف مسؤوليها وضعف أبنائها وعدم إدراكهم لتحمل المسؤولية... لأصبحت اليوم تَتَبَوَّأ الْمَكانَةَ التي تَليق بها...
فجميع المقومات إن اسْتُغِلَّتْ استغلالا صائبا ستكون عَوْنا مساعدا ودافعا مُحَفِّزا لتحقيق المُبْتَغَى...

وذلك بسبب نزوح البوادي إليها يوما بعد يوم، وهم الذين خرجوا من رَحِمها في الأمس، وعادوا لها اليوم بعد أن أدركوا أن حَنان الأمِّ لا يُعَوَّضُ بأيِّ شيء من مَلَذَّات الدنيا وإن كان في جوارها قد يوجد بعض الصعوبات التي لا  تعتبر مُلائمة...

عادوا إلى مدينتهم الأم بكل سرور وفرح بعد أن أدركوا أن التمدن أصبح فريضةَ حياة يُمْليها الواقع، وتفْرضها الظروف، فاستقبلهم الأقارب بكل أنواع التراحيب والتحايا حامدين الله على عودتهم مكررين الحمد لله الذي جاء  بكم من البَدْوِ...

لكن الفرحة لم تَطُلْ بسبب مُلاحقة شيطان _الماء والكهرباء_ للجميع، فبعد أخذهم قسطا من الراحة تبادلوا الحديث ودارَ بهم الكلام إلى التَّطَرُّقِ لِمُقَوِّمات الحياة الأساسية التي أجْبَرَتْهم على النزوح من البدو، وذلك لأجل أن يطمئنوا من أنها أمامهم لكن هيهات...  

فالحديث مأساوي بامتياز...

الماء يستورد والكهرباء تتقطع، والتعليم يحتضر...

لتتملَّكَهم الحَيْرَةُ فتضيق بهم الأرض مع سِعَتها ويُخَيِّمَ عليهم الظلام بعد أن كانوا يطْمحون إلى نور يسَعهم ويَسَعُ غيرهم.

حفظ الله مركز اعوينات ازبل ورفع عنه التَّهْميشَ والتَّبَعِيَةَ

 

محمد محمد الأمين