نحن شعب مسالم لا مكان فيه لدعاة الفتنة

عندما أطلق سراح الزعيم نيلسون مانديلا قال وهو لما يتجاوز عتبة سجنه بعد: "في الوقت الذي ألج فيه باب حريتي فإننى علي يقين تام بأنني حينما لا أتخلص من غضبي وآلامي وأحزاني فإنني سأظل دوما فى سجن". نعم سجن القلوب المريضة وحملة التشرذم ودعاة الفتنة.

نيسلسون مانديلا هو السجين الذي قضى أطول فترة فى السجن وربما هو أكثر السجناء معاناة. لكنه خرج بقلب من نوع خاص لم يحمل ضغينة و لا حقدا اتجاه سجانيه ومن ساموه سوء العذاب وإنما كان قلبه مفعما بالعفو وتجاوز العقد النفسية. ولأنه بصدد بناء وطنه وتعزيز لحمة شعبه الممزق أصلا لم يقبل عقله الراجح تمثل مبدأ الأخذ بالثأر والدخول فى متاهات المطاردات والتى بكل تأكيد لن تعرف حدود. اختار لملمة الجراح واتخاذ طريق المصالحة والعفو وتجنب الرد بالعنف تماما كما فعل الماهاتما غاندي حين كان يرد على طيش مستعمريه بالسلم وبطشهم بالحلم وزلاتهم بالعفو.
فى رواندا وغير بعيد من بلاد نيلسون مانديلا حمل الأشقاء السلاح وصوب كل فوهة مدفعه على أخيه وراح يطلق النار على الطفل الرضيع والشيخ الهرم والمرأة الحامل دون رحمة ولا شفقة. لم تمنعهم الرحمي من القتل و لا القربى من زهق الأرواح البريئة.

عاشت رواندا فترات حالكة من حرب أهلية لم تبق ولم تذر أتت على الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل. سالت أنهر من الدماء ومات الآلاف وتيتم المئات من الأطفال وترملت عشرات المئات من النساء وتشرد الملايين من السكان.

حصيلة مرة حملت سنين عجاف خلفتها تلك المأساة التى رمت برواندا، الدولة الآمنة، في مستنقع حرب طائفية كان الخاسر فيها الأول والأخير هو الشعب البريء ودفعت الدولة ثمنها غاليا.

وفي دول أخرى غنية بالثروات بكل أصنافها لم تتمكن شعوبها المغلوبة على أمرها من استغلال تلك الثروات بفعل النزاعات الفئوية والاقتتال الطائفى فى حين تفككت أخرى كانت ذات يوم فى رغد من العيش بحكم المشاكل ذاتها.

لسنا بحاجة فى هذا السياق للتطرق لعديد الأمثلة الصارخة لكثرتها وبشاعتها لكننا نورد ما ذكرناه سلفا قصد استخلاص الدروس والعبر من مآلات غي الشعوب وطغيانها حين تفقد الصواب والرشد وتتبع خطوات سفهائها.

لم نطالع أبدا فى صفحات التاريخ أن شعبا نهض وتطور بفعل تجذر الطائفية فيه ولم يثبت عبره أن أي نضال أثمر حينما يسلك طريق الشقاق وإشاعة البغضاء و تعميق الجراح وإثارة حمية الفئوية. بل على العكس من ذلك فإن عظماء التاريخ الذين خلد ذكرهم وكانوا قدوة حسنة هم الذين تنكبوا تلك الطريق و اختاروا السير على هدي السلم الأهلي وتقوية اللحمة الاجتماعية وتعزيز الروابط الأخوية بين شعوبهم.

بكل تأكيد نحن شعب مسالم متشبث بثوابته الدينية وتقاليده التليدة الموروثة عن الآباء والأجداد، متمسك بروح التسامح والتعايش السلمي، حريص على قيم العدل و المساواة.
لقد عرف شعبنا على مر تاريخه بنبذ العنف ورفض كل ما يجنح للطائفية والعرقية ويدعو للفتنة ويقود لإثارة النعرات و يجر للحروب الأهلية لأن آباءه فضلوا نهج السلم.

نحن مجتمع فاضل يتنادى لإغاثة الملهوف ويؤازر المضطر، يشيع الأخوة ويحث على التضامن، يتقاسم مبادئ التسامح وتسوية الخلافات بالتي هي أحسن وينزع فتيل النزاعات بالكلمة الطيبة والقول اللين والجنوح للحق. هذه هي قيمنا وثوابتنا.

ولأننا شعب متمسك بقيمه فلن نقبل بين ظهرانينا المحرضين على الكراهية والفرقة ودعاة الفتنية،

ولأننا شعب حريص على ثوابته فلن نصغي للخطابات المشحونة بالأحقاد والنقمة الهادفة الى العبث بمشتركنا الراسخ المبني على الذود عن قيم التسامح والعيش فى كنف السلم التى ترعرعنا فيها،

ولأننا شعب متشبث بمبادئه سنظل دوما واقفين صفا واحدا ضد كل أشكال التمييز وكل ما من شأنه بث التفرقة بين جميع مكونات شعبنا المتضامن،
تلك ملة آبائنا وأجدادنا علينا أن نعض عليها بالنواجذ ونقتفى آثارهم حذو النعل بالنعل وأن لا نترك لمثيرى الفتنة ودعاة الفئوية والطائفية موطأ قدم من خلال التلاحم و رص الصفوف و الوقوف وفقة رجل واحد أمام كل متعصب و متطرف.