سيد محمد ولد سيد عبد الله و تأثيره علي حياتي

 

تعجز الحروف أن تكتب مايحمل قلبي من تقدير و احترام و عرفان لأشخاص لايمكن نسيانهم لتأثيرهم الكبير مثل :سيد محمد و لد سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم, اللذي عرفته منذ نعومة أظفاري حيث تعود أن يزور أخواله سنويا قادما من تجكجة و يقضي موسم الكيطنة و شطرا من الخريف. و سأحاول مستعينا بالله التطرق ولو بشكل خاطف إلي بعض الذكريات التي جمعتني به و بقيت مرسومة في ذهني و ذالك من خلال الموسمين التاليين:

أولا:  كيطنت 1969 عندما زارنا و نحن يومئذ بالواد الأبيض شمال تكانت و بالتحديد في بساتين السدرة الواقعين بين "الدندان" و "أقوديت" و قد صحب سيد محمد معه أدواتا مدرسية  و كانت أول مرة تقع فيها عيني علي قلم حبر, فلم أكن أعرف قبل ذالك إلا قلم الدواة و اللوح.  و في ذالك الموسم سمعت منه و لأول مرة أيضا نزول الإنسان علي سطح القمر, و كان يحكي لنا تلك القصة بأسلوب شيق و مثير فنبقي مشدودين لتلك التفاصيل.

الموسم الثاني: هو كيطنة 1970 و كانت هذه المرة في أعالي تامورة انعاج "مطماطة", و كان الأهالي يتحينون الفرص بعد سقوط الأمطار للذهاب إلي مطماطة ليشاهدوا و يستمتعوا بالسيول الجارفة القادمة من واد "بول بول" أو واد "لكلات". كان سيد محمد يشبه شلال مطماطة  أو مسقط الماء المتدفق من الصخور ب "زرع حميرة" ربما لحمرة الماء و زبده. و قد ظلت هذه العبارة و لفترة طويلة جارية علي ألسن كل من جدتي لالة و شقيقتيها مريم و خادجة, بنات عبد ولد سيد امحمد و لد أحمد بد حباس السيل. وكانو يرددونها بشيء من الطرافة و المتعة و الحنان. ومع انتهاء كيطنة 1970 و بداية الخريف انتقلنا إلي ناحية سد "تكننت" بوسط تكانت فوق "اظهر تنواعدين". و كنا نبيت فوق الصخور العالية خوفا من الناموس و الباعوض. و في يوم من ذالك الخريف خرج سيد محمد, فتبعته و كانت الرياح شديدة السرعة حيث صعد علي صخرة عالية و مسك بأكمام دراعته السفلي تاركا الهواء يدخل فيها و قفز عاليا حيث نزل علي ربوة لينة. و في اليوم التالي خرجت منفردا و فعلت نفس الفعلة لكنني أصبت بصدع خفيف في الركبة و كتمت أمري. و كان سيد محمد رحمه الله متواضعا و حنونا وإنسانا. و أتذكر في تلك الفترة أسرة شكت من العطش فطلب مني أن أصطحبه و ذهبنا إلي بركة وجلبنا منها بعض الماء في قرب إلي تلك الأسرة.

 وقد سبب انتقاله إلي انواكشوط و تغير الظروف وقلة الإتصالات شبه انقطاع.و في العشرية الأخيرة من القرن الماضي و بعد تخرجي من الجامعة,  إقترح علي التوجه إلي التعليم كوسيلة لكسب العيش وزودني بكتب قيمة من ضمنها كتب في الجغرافيا و بعض الخرائط... وهي بحوزتي إلي الآن. ومع نهاية الألفية الثانية و إستعداد سيدمحمد إلي إلقاء عصي الترحال بعد دهر طويل من الغربة, هنا دارت علي الدائرة وهاجرت حيث استقر بي المقام في انيويورك. ولم أوفق في القرب الذي كنت أنشده باستثناء فترات محدودة. ولكن تواصلنا استمر و كان آخر ذالك رسالة بتارخ 5 إبريل 2020 قدم لي فيها بعض النصح و الإرشاد

.و بكلمة أخيرة فقد أفادني المرحوم  سيد محمد كثيرا نظرا لما كان يتمتع به من رجاحة عقل و بعد نظر و حب للناس, وكان أمله أن يعيش الجميع حياة أفضل و لكن ماكل مايتمني المرء يدركه فهاهو ينصرف. وبرحيله ترك في قلوبنا فجوة لن تسد. رحمة الله عليه وجمعنا معه في جنة الفردوس مع الصديقين و الشهداء و الصالحين و الوالدين و الأهل جميعا إنه سميع الدعاء. وإنا لله و إنا إليه راجعون.

محمد سيد أحمد الواداني.

انيويورك 5 مايو 2020