قال تعالي {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}صدق الله العظيم
حقاً إن مقياس الرجولة فى صدق الإنسان
ما عاهد عليه ربه سبحانه، وهؤلاء صفوة من القلة المؤمنون بالله حقا حتى بدت الرجولة فى أفعالهم فتظهر معادنهم إذا استحكمت الأزمات، وتشابكت خيوطها، وتوالت الضوائق وطال ليلها ؛ من هؤلاء الرجال (نحسبه كذالك ولا نزكي علي الله أحدًا )شيخنا العلامة الفقيه محمد المصطفي ولد السالك ولد بلول الجكني الذي تحل هذه الأيام الذكري 13 عشر لرحيله عن دنيانا الفانية وهي لعمري مناسبة للترحم عليه والحديث عن حياته ولو بإيجاز فمثله يصدق فيه قول الشاعر:
- كَمْ غابَ عَنَّا رِجالٌ فَـضْلهُـمْ أبَـداً
ذِكْـرٌ تَخَـلَّـدَ فِـي الـتَّـاريـخِ أعْـلاهُ
- كَـمْ مَيِّت ذِكْرهُ بِـالخَـيرِ يَحْضُرُنا
والبَعْـضُ حَيٌّ كأنَّ الـمَوتَ أخفاهُ
- والإعترافُ لِأهلِ الفَضْلِ مَكْرُمَةً
أجرُ الـدُّعـاءِ بِـيَومِ العَرضِ يَلقاهُ
هو العلامة الزاهد العابد محمد المصطفي (الملقب صدف) ولد محمد الأمين ولد السالك ولد الطالب احمد ولد محمد ولد ابراهيم ولد بلول الجكني ولد حوالي سنة 1920 في منطقة تكانت وترعرع في بيئة محظرية حيث كان سليل أسرة علم وصلاح ذات تاريخ عريق في طلب العلم وتعليمه.
كانت علامات الذكاء و النبوغ بادية عليه منذ الصغر حيث حفظ القرآن نصا ورسما وتجويدًا وهو إذ ذاك لا يزال في سن مبكرة فلما اشتد عوده وقوي ساعده علت همته و حمل عصي الترحال بين محاظر عصره و مشائخ زمانه الذين نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر العلامة سيد المختار ولد عبد المالك الجكني وكذالك العلامة احمدو ولد مود الجكني (رحمهم الله جميعا)هذا الأخير لازمه ردحًا من الزمن ودرس علي يده الكثير من علوم الفقه والنحو والبلاغة وغير ذالك من العلوم المحظرية المعروفة (يذكر من عاصروه في تلك الفترة أن لمرابط احمدو كان يفاخر به تلاميذه و يقدمه عليهم لما لمسه فيه من النباهة والفطنة والإقبال علي تعلم العلم وله في ذالك مواقف متعددة يضيق المجال عن ذكرها.....).
بعد رحلة طلب العلم الطويلة عاد رحمه الله
إلي موطنه (تكانت وتحديدا منطقة لحصيرة) حيث وضع عصي الترحال وأسس محظرته الشهيرة والتي مثلت بحق مركزا علميا جامعا وفد إليه العديد من طلاب العلم من كل حدب وصوب لتبدأ بعد ذالك مرحلة جديدة من العطاء والإسهامات المعرفية المهمة في تلك الفترة.
وبعد عقود من الزمن وتحديدا في نهاية السبعينات انتقل الي مدينة كرو مع بداية نشأتها لتنتقل معه محظرته وطلابه مواصلا نشر العلم وبثه في صدور الرجال... حيث كان يجلس عقب أدائه صلاة الفجر لتدريس طلابه، يقرأ هذا نصّه الفقهي وذاك من متن في النحو والصرف وآخر في المقرأ والتلاوة أو في الأصول والمنطق والبلاغة… ليجد الكل منه شرحًا يناسب مستواه العلمي....وباستثناء وقت يسير خلال القيلولة تتوالى أفواج الطلاب عليه حتى بعد صلاة العشاء.
و كان رحمه الله كريما، جم التواضع شغوفا بالمطالعة شديد الحرص على ملازمة الكتب يقوده الشغف بالبحث في ما احتوت من علوم إلى الانقطاع عن ما حوله وقد حفظ الله له حاسة البصر طيلة حياته.....
إلى حين وفاته، ظلت محظرته في مدينة كرو بولاية لعصابة محط قوافل طلاب العلم من مختلف أنحاء البلاد وعلى مدى عقود طويلة من التدريس تخرج على يديه عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين نهلوا من علمه الزاخر في شتى المعارف المحظرية.
انتقل الي الرفيق الأعلى في مثل هذا اليوم 26 ديسمبر من عام 2007.
وقد رثاه أحد تلامذته الفقهاء بقصيدة طويلة يقول فيها:
والأجر يعظم إن كان المصاب به
علامة العصر من ترضي إمامته
محمد المصطفي الميمون طالعه
ومن سمت في سماء المجد هامته
من عمره في اكتساب العلم أنفقه
وفي اكتساب المعالي وهو غايته
تشفي إجابته داء الجهول كما
داء المريض شفت باللمس راحته
يحي الليالي بترتيل وقد ملئت
في كل وقت بذكر الله ساحته
وياذوي الشيخ صبرا ان ديدنكم
صبر المصاب وان جلت إصابته
وليبكه الذكر والقرآن مقرأه
تفسيره رسمه ضبط روايته
وليبكه الفقه والتوحيد مع لغة
وسيرة ظهرت فيها براعته
وليبكه حسن خلق زانه أدب
تواضع زهده ، تبكي عبادته
فالله يلهمكم صبرا ويأمركم
فإنه وحده ترجي اثابته
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته إنه ولي ذالك والقادرعليه.
بقلم د.محمد ولد محمد العاقب