يدور جدل واسع منذ بعض الوقت حول بعض التصريحات والتدوينات والتغريدات الصادرة عن الأخوين محمد جميل ولد منصور ومحمد غلام ولد الحاج الشيخ (الرئيس السابق لحزب تواصل ونائبه)، وسط مستبشر بمواقفهما الجديدة من النظام الجديد، ومستنكر لحجم التزكية الممنوحة من طرفهما لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، بعد عقود من التصعيد ضد الأنظمة السابقة، أو بعضها على أقل تقدير ، رغم أن الخيط الناظم لتلك المواقف غالبا هو الرفض المطلق لكل حاكم وصل بالقوة أو حاول الإستمرار فى الحكم بالقوة (الرئيس معاوية ولد سبد أحمد ولد الطايع والرئيس محمد ولد عبد العزيز) وتفهم مقبول لمن وصل بالانتخاب، حتى ولو كانوا فى صف معارضيه عشية ترشيحه، أونازلوه إبان انتخابه ( سيدى ولد الشيخ عبد الله ومحمد ولد الشيخ الغزوانى).
إن المعارضة العدمية والمواقف المتكلسة مهما تغيرت الأوضاع السياسية، والجمود القاتل على الخطاب الواحد ، خلق لايليق بالساسة، ولايحمى المشاريع، ولاينضج الرؤى، ولايمنح أصحابه حق الحضور والمشاركة والتدافع من أجل مستقبل أفضل، وإنضاج المواقف لصالح المشروع يقتضى التعامل مع كل مرحلة بخطاب أكثر عقلانية وملائمة للوضع القائم.
إن أزمة الرجلين هي الشجاعة فى اتخاذ المواقف، ووضوح الخطاب وتأثيره، والتعبير عما يعتقدون سلبا أو إيجابا دون لف أو دوران.
لقد تصدروا المشهد المعارض لأكثر من 20 سنة، وماضعفوا وما أستكانوا، ولا أستنكفوا ينشدون الراحة والإطمئنان، ولا تركوا الواجهة للغير خوفا من دفع ضريبة التقدم للمسؤولية، وكانوا نعم الرجال فى أوقات المنازلة، وأكثر الساسة تعبيرا عن الخطاب الرافض للفساد والظلم والتزوير والتطبيع والاستهداف للساسة بغض النظر عن نقاط الإتفاق والإختلاف.
مازلت أتذكر كيف تواصل معى محمد جميل ولد منصور من ابروكسل 2004 معلنا قراره القاضى بالعودة إلى العاصمة نواكشوط لمواجهة الوضعية الناجمة عن جمود الحراك السياسى، بعد اعتقال قادة الفرسان وزعماء المعارضة السياسية، قائلا إن اللحظات الصعبة من تاريخ الأمم تتطلب التضحية بالحرية والدعة وقيادة العمل المقاوم فيها للإستبداد تنتزع ولاتوهب، والصدارة فيها مغرم وليست مغنم، ومن الواجب فيها تحمل المسؤولية مهما كانت خطورة الطريق ، وقلة سالكيه.
أتذكر أول رسالة خرجت من محبسه (سجن بيلا) موجهة لزوجه الأخت أم المؤمنين بنت أحمد سالم، وهو يتشد فيها الحصول بشكل سريع على خمسة صحف يتوقع صدورها يوم الأثنين (الشعب/ لوريزون/ القلم/ لاتربين/ لفي أبدو) ومبلغ خمسة آلاف أوقية، ثم خط عليه لاحقا، وقال لاداع للإزعاج إذا لم يتيسر بسرعة، والصحف ضرورية.
إنها الثقة بالنفس والتطلع للمستقبل، والمجازفة بكل ماتعنيه الكلمة، ومواجهة المصير الصعب فى ظل نظام عسكرى جريح، من سياسى لا يمتلك خمسة آلاف أوقية!.
لقد رأى جميل ولد منصور - وهذا حقه- أن البلاد تحتاج إلى تهدئة بعد عقود من الصراع، وأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى أفضل من يديرها فى الوقت الراهن، وعبر بوضوح عن تحفظه على دعم المرشح سيدى محمد ولد بوبكر، وهو تحفظ فى محله، وعمل بمقتضى رأيه، مستفيدا من الحرية الممنوحة له، بعدما أعفى من كل التزام داخل الحزب الذى أسس وقاد ، وأرتأى الإخوة فى قيادته لاحقا إحالته لفضاء أكثر حرية، مكتفيا بنافذة يمنحها مراهق من الغرب، ضجر من تحكم الأنظمة والأحزاب فى رؤى البسطاء فى العالم (مارك زوكربيرغ).
لقد عايشت نداء الشيخ محمد غلام ولد الحاج الشيخ قبل سنين ، وهو ينشد دعم النظام المدنى بقيادة الرئيس الراحل سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله، ويحذر من تقويضه أو الإجهاز عليه لأن البديل جحيم لايطاق، وعودة لمربع الأحكام العسكرية، لكن البعض ولأسباب تخصه حاول الوقوف فى وجه أي تقارب معه، ووضع العصي فى الدواليب بعد التحالف الجزئى بينه وبين بعض القوى السياسية المعارضة، وعمل جاهدا عبر منظومة إعلامية غير راشدة على تشويه صورة الرجل والتمكين لخصومه، والتفخ فى الأخطاء وهي موجودة، وحجب المنجز وهو كثير، وإظهار الرئيس المسالم بمظهر الضعيف المحكوم به، قبل أن يقلب ظهر المجن لأيامه تلك ورؤاه البائسة، متباكيا على القوس الديمقراطى الذى أضعناه جميعا، وشربنا من كأس الظلم والاستهداف بعده.
إن محاولة صياغة الناس برؤية واحدة خطأ فى التقدير ، وإلزام الساسة بموقف غير قابل للنقاش من المهد إلى اللحد جريمة، والحل فى التعبير عن المراحل بخطاب يليق بكل مرحلة، ومن جبن عن الإعتراف بخير تحقق أو تغيير حصل أو فرص متاحة، هو عن التعبير عن الأخطاء فى وجه الحكام أجبن !!.
والله تعالى أعلم .