فى السادس والعشرين من يوليو 2021 ، وبعد ليلة عصيبة عشتها بمركز الشيخ زايد بنواكشوط الشمالية ، اثر نوبة آلام حادة جراء وعكة صحية ألمت بى(حصى الكلى)، رن الهاتف فى حدود العاشرة وبضع دقائق، ليبلغنى صاحب الإتصال – وهو أحد المقربين سياسيا من رئيس الجمهورية - بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى ينتظرنى بالقصر فى حدود الحادية عشر، وأن الوقت مفتوح، رغم انشغالات الرئيس الجمة.
توجهت إلى القصر مباشرة دون المرور بالمكتب، أو زيارة "الحلاق" أو "الغسال"، أو التحضير للقاء الرجل الأول فى البلاد، بحكم ضيق الوقت الفاصل بين الإتصال والموعد، وبعد القصر من مقر الإقامة ببوحديده، وهي المرة الثانية التى أزوره فيها قصر الرئاسة، منذ انتخاب الرئيس محمد ولد اللشيخ الغزوانى رئيسا للجمهورية، حيث سبق وأن شاركت إلى جانب آخرين فى حفل عشاء أقامته الرئاسة، وأخترت مع خمسة من الزملاء لمحاورة الرئيس فى الذكرى الأولى لوصوله للحكم.
لم يدم الإنتظار أكثر من خمس دقائق فى قاعة الإنتظار، ليغادر الوزير الأول محمد ولد بلال مكتب الرئيس، بعد استعراض برنامج الأسبوع وأولويات الحكومة مع بداية دوام جديد، مفسحا المجال أمام اللقاء الذى جمعنى بالرئيس والذى دام أكثر من ساعة ونصف.
كان الإستقبال بحجم المعهود عنه والمنقول عن مختلف أهل السياسة والرأي، منفتحا دون تحفظ، وأخلاقيا فى التعامل، ومستمعا بشكل جيد، ومدونا للعديد من النقاط، ومتابعا للعرض الذى قدمته حول المنطقة التى شغلت بالى منذ بعض الوقت وآلمنى واقع ساكنيها ( منطقة أوكار)، دون مقاطعة أو تحفظ أو تكذيب أو اتهام بالمغالطة أو الشعي لإظهار واقع غير الواقع الذى تعيشه المنطقة ويكتوى به أبناء حيز جغرافى، يحتضن أربعة مجالس محلية، وتمتد مساحته على طول الشريط الرابط بين لعيون فى الحوض الغربى غربا، وولاته فى الحوض الشرقى شرقا، ويفتقد السكان فيه لأبسط مقومات الحياة.
صارحته برؤيتى للسنوات الأولى من حكمه، ولم أتنكر لكل ما سطرته أناملى من مواقف طيلة الفترة الماضية، وخاطبته بصراحة عن رؤيتى للأمور منذ انتخابه رئيسا للجمهورية بكل صدق وتجرد واستشعار لنعمة الحرية والإيمان بقيمة الصدق مع الذات، واستعرضت معه الآمال التى ينتظرها السكان منه، والألم الذى عاشوه قبله، ولازالوا يعيشونه رغم مرور سنتين من حكمه.
توقف مع مجمل النقاط بأدب كبير، وشاطرنى الرؤية حول واقع المنطقة وحاجة سكانها للتنمية، وكانت معرفته السابقة لها خلال خدمته العسكرية معينة على بلورة تصور مشترك، لوضع رؤية سريعة لتنميتها، مع التركيز على القطاعات الحيوية وذات الصلة الوثيقة بحياة الناس ( التعليم والصحة والمياه )، وكانت أوامره سريعة وصريحة لعدد من معاونيه قبل مغادرة مكتبه بتنفيذ اجراءات واضحة ومحددة لصالح تحسين حياة الناس، ووضع خطة يتم العمل عليها من أجل تغيير واقع المنطقة إلى الأحسن، وإنهاء التهميش الذى عاشته خلال العقود الماضية، مع التعهد ببذل المستطاع من أجل نفاذ أبنائها لدوائر صنع القرار، وتوجيه مشاريع تنموية فى القريب العاجل إليها، معربا عن تقديره لأي رؤية يطرح صاحبها مشاغل السكان بدل عرض مشاغله، وتحضر فيها المصلحة العمومية قبل المصالح الشخصية، وتكون فيها مصالح الغائب والبعيد محل بسط ونقاش، بدل التركيز على الدوائر الضيقة أو طرح طلبات زهيدة، تكشف حجم طالبيها، ولاتفيد الحاكم فى القيام بمسؤولياته، ولاتعين المحكوم.
تعامل بأدب كبير مع مجمل النقاط الوارد فى النقاش، ولم يعلق على مجمل المواقف الحدية من نظامه طيلة الفترة الماضية، ولم يتطرق النقاش للوضعية السياسية بالبلد، أو الإنتماء السياسى لمن يحاوره، ولم يطرح داخل النقاش أي طلب أو توجيه، مكتفيا بالقول " ليس لدي الوقت لمطالعة كل ماينشر أو يكتب، ومع ذلك أحرص بشكل كبير على مطالعة العديد مما يكتب، ومتابعة الآراء التى يعبر عنها البعض، وأطلعت على الكثير مما تكتبون خلال الفترة الماضية ، أتفهم مظاهر الغضب والعتب والتنبيه ، ومقدر لحجم المسؤولية والدور الذى تطلعون به، ومرتاح لبعض المواقف المنصفة والمسؤولة، وأدرك أن لديكم الحق فى أن تحلموا بمستقبل أفضل للسكان عموما، ورفع الظلم عن حيز جغرافى أؤكد أن ماذهبتم إليه بشأنه صحيح، وستتم معالجته فى القريب ".
ودعته بعد نهاية النقاش على أمل غد أفضل للبلد عموما، وللمنطقة خصوصا، وقد بدأت بالفعل ملامح تلك الإجراءات تأخذ طريقها إلى التنفيذ بسرعة لم يألفها سكان منطقة أوكار (ثلاثة أيام فقط من تعهد الرئيس وتوجيهه) ، حيث حطت أولى بعثات المياه بالمنطقة للتخفيف من معاناة النقاط المتضررة من العطش بشكل فورى، وشرعت مصالح التهذيب بمتابعة من الوزير الأول محمد ولد بلال فى طرح مناقصة لبناء أول مدرسة مكتملة بالمنطقة منذ الإستقلال، ومن المتوقع أن تكون الأولوية للتعليم والصحة فى برامج تآزر، فى انتظار إقرار خطة التنمية التى وجه الرئيس بإعدادها وتنزيلها بشكل سريع لتعويض ستة عقود من التهميش والحرمان.
(*) مدير موقع زهرة شنقيط