ابنو با لم يسئ أبداً إلى موريتانيا، وهو الآن لاعب للمنتخب الوطني!

تأخرت في التعليق على الجدل المثار حول الفيديو المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للاعب المنتخب الوطني الجديد اباب إبنو با، الذي تحدث فيه عن كونه سنغالياً وعن تعلقه باللعب مع المنتخب السنغالي.

ومع احترامي الشديد لكل الآراء المثارة حول هذا التصريح سلباً أو إيجاباً؛ فإن لي رأياً مبدئياً في هذا الموضوع أجمله في النقاط التالية:

1. هذا التصريح يعود لحوالي عامين من الآن، حيث أدلى به اللاعب في فترة لم يكن بعدُ قد اقتنع فيها بالمشروع الكروي الموريتاني، ولذلك فإن سياقها مختلف كلياً عن سياق تعبير لاعب عن رأيه في منتخب وافق بمحض إرادته على الانتماء له والدفاع عن ألوانه.

2. إبنو با لم يسئ أبداً في هذا التصريح ولا في أي من تصريحاته المنشورة لموريتانيا، ولم يسخر منها، بل كل ما قاله في التصريح المسجل له هو أن مدرب المنتخب الموريتاني (السابق) قد اتصل به بحكم أن له أصولاً موريتانية، مُبدياً رفض تلك الدعوة في وقتها؛ لأنه كان ينتظر استدعاء من طرف المنتخب السنغالي، ثم أضاف قائلاً -في محاولة واضحة لاستعطاف السنغاليين- إنه "سنغالي وسيظل ينتظر المنتخب السنغالي حتى نهاية مشواره"، فأين هي الإساءة لموريتانيا في هذا الكلام؟!! أما كونه قد صرح بأنه سنغالي فلا يمكن لومه على ذلك لأنه ذو جذور سنغالية فعلاً، كما أن له جذوراً موريتانية أيضاً، وهي -بالمناسبة- سبب استدعائه من البداية، وقد صرح سابقاً، في مقابلة موثقة مع وكالة الأنباء السنغالية الرسمية بامتلاكه أصولاً موريتانية، فهو في الواقع ابن عائلة موريتانية سنغالية، وبين الموريتانيين والسنغاليين الكثير من العائلات المختلطة، لما يربطهم من أواصر القربى والجوار، ويعرف الموريتانيون الأوائل الحادثة المشهورة في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه عندما التقى وزيران شقيقان حول قضية ما بين موريتانيا والسنغال، حيث جاء كل منهما ممثلاً لبلد مختلف وهما أخوان من نسل نفس الأبوين! فأين المشكلة؟!!!

3. من الطبيعي جداً في الثقافة الرياضية أن يفاضل اللاعب أحياناً بين منتخبين يملك صلة عائلية بكل منهما؛ فذلك أمر شائع ومستساغ جداً في عالم الرياضة، ولم يكن أبداً مصدر تخوين ولا عاملاً للتقليل من الانتماء ولا الوطنية لهذا البلد أو ذاك؛ لأن الاختيار في هذه الحالة يكون بناءً على معايير رياضية محضة، لا على أساس مبدأ "الولاء والبراء"، والأمثلة على ذلك كثيرة؛

- كم لاعباً جزائرياً -وما أدراك ما الجزائر بالنسبة للجزائريين- رفض في البداية قبول استدعاء المنتخب الجزائري لانتظاره استدعاء من أحد المنتخبات الأوروبية الكبيرة، وبعضهم صرح بذلك علناً، ثم عادوا ومثلوا في الأخير منتخب الجزائر، ومنهم بعض الأسماء البارزة في الجيل الذي لعب مع الجزائر في كأس العالم 2014!

- حدث هذا الأمر أيضاً مع منير الحدادي في المغرب، حيث كان منير قد صرح بانتمائه لإسبانيا بل لعب مع منتخبها الأول بالفعل، رافضاً استدعاءات المنتخب المغربي المتكررة له، لكنه عاد في الأخير ليلبي نداء المنتخب المغربي فجاء مرحباً به ولم يكن في الأمر مشكلة!

- بل حدث هذا الأمر ذاته مع السنغال نفسه؛ حيث صرح لاعبهم الحالي بونا صار بانتمائه لفرنسا وانتظاره منتخبها، لكنه في الأخير غيّر رأيه فلعب للسنغال!
وهذه أمثلة من الجوار فقط، أما نظراؤها بين اللاعبين من أصول أفريقية في أوروبا فلا تعد ولا تحصى!

4. مسألة المفاضلة بين جنسيتين في مجال كرة القدم مسألة عادية جداً ومشهورة ولذلك فقد سنّ لها الفيفا ضوابط وقوانين لتنظيمها لكثرة ما حدثت وتحدث، بل إن التجنيس من الأساس لمن لا أصل له ولا فرع مع منتخب بلد ما يعد أمراً عادياً ومقبولاً في عالم كرة القدم، ما دامت هنالك مبررات "رياضية" له، وبعضكم ربما قرأ هنا دفاعي قبل أسابيع قليلة من الآن عن اللاعبين "المجنسين" في منتخب قطر، عندما ذكرت أمثلة كثيرة على التجنيس، حتى مع منتخبات قد يظن الكثيرون أنها لا تحتاج إلى التجنيس أصلاً، مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وغيرها.

5. سياسة الاتحادية الموريتانية لكرة القدم على الخصوص ليست التجنيس، بل البحث الدؤوب عن اللاعبين الذي وصلوا للمستوى العالي في أوروبا ممن لديهم أصول موريتانية لإقناعهم بالمشروع الكروي الوطني؛ ونحن على اتصال دائم بهم؛ بعضهم قبِل بالمشروع سابقاً، وبعضهم ما زلنا نتحاور معه، وبعضهم رفض المشروع في البداية ثم عاد واقتنع به، ومن هؤلاء ابنو با نفسه!

لذلك أعتقد أن الواجب علينا الآن هو مكافأته بالتشجيع والترحيب، كما يفعل غيرنا لنظرائه، لكونه قد تنازل عن رأيه وتعلقه بمنتخب آخر ليلعب مع منتخبنا الوطني ويرتدي ألوانه بكل فخر ويدافع عنها بكل اعتزاز، وإذا لم نشجعه على ذلك، فعلينا -على الأقل- أن نسكت عنه حتى لا نؤذيه بدون سبب وجيه، ثم ننتظر ونرى ما سيقدمه مع المنتخب الوطني، فنحكم عليه من خلال أدائه لا من خلال محاكمته على ما سبق من آرائه!
وإذا كان قد صرح سابقاً بالقول فقط بأنه سنغالي، فها هو قد صرّح الآن بالفعل -لا بالقول- بأنه #موريتاني، ولن يلعب إلا للمنتخب الموريتاني، فأهلا وسهلاً به معنا!

محمد ولد أندح / مسؤول الإعلام بالاتحادية الوطنية لكرة القدم