أبرز رموز الطلحاية: قاومنا الظروف 57 سنة ونتطلع لإنهاء أزمة العطش وتطوير القطاع الزراعي (حوار خاص)

لم يتوقع أبرز وجهاء قرية الطلحاية ، ببلدية حاسى أمهادي (45 كلم غرب تمبدغه) 'أممد ولد عبد الرحمن" أن يقطع خلوته ، داخل الحقل الزراعى الذى أسسه ورعاه لعدة عقود، قبل أن نحط الرحال بحديقته فجأة، ضمن جولة قادتنا إلى عدد من المجالس المحلية بعدل بكرو، وأمرج ، والنعمة، وتمبدغه، خلال شهر مايو الجارى، حيث ترتفع درجة الحرارة، وتتعقد حركة السيارات بفعل الطرق الوعرة، ويهاجر أغلب سكان المدن إلى العاصمة نواكشوط لصعوبة المقام بمناطق الريف، ولضعف الخدمات العمومية بالمدن (الكهرباء والمياه) ، بينما يصمد الآلاف فى مناطقهم الأصلية، ممن ألفوا المنطقة وتعايشوا مع تقلبات المناخ فيها ، وقساوة الظروف، وضعف الخدمات المقدمة من الدولة طيلة العقود الماضية لمجمل مناطق الشرق الموريتانى.

حاول ولد عبد الرحمن تغيير وجهة الرحلة، والتحول إلى المنزل، لأن الضيافة حسب رأيه واجبة قبل عرض المشاكل أو الحديث عن القرية وأحلام ساكنيها، وهو إصرار كسرناه بكثير من الاستعطاف،  وشرح أهداف الزيارة، والإصرار على أن تكون الحديقة هي المحطة التى نناقش من وسطها واقع المنطقة وتاريخها، وأبرز المشاكل المطروحة لساكنيها، وأن يمنحنا فرصة لزيارة مناطق أخري من بلديته، فى عالم يمور بالمشاكل والتحديات الجمة.

صناع الحياة..

" أممد ولد عبد الرحمن " ليس مجرد بدوي أحب " طلحاية أهل أيهاه" وأستقر بين أبناء عمومته، ومنها تزوج، وفيها حط عصى الترحال، وهو القادم من أدغال تامشكط بالحوض الغربى، لكنه أحد صناع الحياة بالمنطقة، وأحد الرجال القلائل الذين جمعوا بين العيش فى الواقع، والتخطيط للمستقبل بهدوء، والتعامل مع الكل، بمنطق يعلى من شأن الجماعة، ويسد أبواب الخلاف، ويفتح للسائرين معه، فرصا يستحيل تعويضها، لقد بات أحد رمور القربة التى كان فى يوم من الأيام أحد الوافدين منها، وأحد المنشغلين بمصالح ساكنها دون تمييز، بعدما وصل إليها قبل عقود، وهو شاب يحدوه الأمل فى التعرف على يعض أبناء عمومته، ممن أختاروا تمبدغه للإقامة، وشيخ المنطقة الراحل حمود ولد أحمدو كحليف، والطلحاية كمستقر، والتعليم والتجارة والزراعة كمهن، فى ظل محيط يعتمد على الثروة الحيوانية فى كل مفاصل حياته الي اليوم.

عند " الطلحاية" الشهيرة بالمنطقة، حفر الشيخ الراحل " محمد محمود ولد عمار" سنة 1967 أول بئر بالمنطقة، وخلال عملية الحفر، كان التجمع المذكور يعتمد فى الشرب على مايجلبه الرجال على ظهر الجمال (أروايه) من منطقة " المهر" التى تبعد حوالي 15 كلم من القرية الجديدة، إلي جهة الغرب.

لقد أحدث الحفر تحولا جذريا بالمنطقة، بفعل المياه الكثيفة والصالحة للشرب، وسط منطقة تعتبر حلقة وصل بين العديد من المناطق (لعيون - تمبدغه- جكني- أوكار- بوسطيله)، ومنها تمر القوافل التجارية، وملاك الثروة الحيوانية، بحكم ما أتسمت به من وفرة المياه، ومسالمة السكان، والأمن المفروض فيها بقوة الأخلاق العابرة لكل المجتمعات القاطنة فيها.

فى القرية تم افتتاح مدرسة بشكل مبكر، ومن أبرز خريجيها اليوم الأستاذ الجامعى البارز الدكتور محمد فال ولد الكبير، أحد ألمع أساتذة جامعة نواكشوط حاليا، ومحمد محمود ولد الكبير الذى يتولى اليوم إدارة كامك بالحوض الشرقي مع عدد من رموز المنطقة الشباب، الذين خلطوا بين العلم الشرعي، والمدارس النظامية خلال عمر القرية الذى تجاوز أكثر من نصف قرن.

منطقة زراعية بامتياز..

يقول الوجيه أممد ولد عبد الرحمن ، إنه لما وصل إلي القرية ، طلب من صهره (شقيق زوجته) منحه أحد الآبار لتدشين أول مزرعة بالمنطقة، ولما أستدعى رجال الحي ذات يوم إليها، طالبه أحد شيوخ التجمع وكبار الفاعلين فيه أن يترك المزرعة، وأن يتوجه للتجارة من أجل تأمين قوت عياله، مستغربا كيف بدت نظرة الإزدراء حاضرة لدي الجميع، لأن الزراعة ساعتها عمل مفضول، وليس من قيم بعض المجتمعات الانشغال به أو تضييع الوقت فيه.

يقول ولد عبد الرحمن - وهو يدعو بالرحمة للجيل الذي عايشه - لقد كانت أياما صعيبة بالفعل، وكانت الزوجة تتضرر من كلام صديقاتها، بحكم انشغال زوجها بالزراعة، وحملها على الذهاب إلي المزرعة، بينما يجلس مجمل نساء الحي فى بيوتهن، وهن يطبخن بما نضج من الحقل الذى ترعاه السبدة وزوجها فى تناقض عجيب!!.

يقول الوجيه أممد ولد سيد المختار بأن فكر فى وضع حد لهذه النظرة الدونية للزراعة، فألزم زوجته ومحيطه بوقف مد القرية بالخضروات، التى كان ينتجها الحقل بكميات كبيرة، وتوجيهها إلى الأسواق المجاورة، ومن أراد من أهل القرية شرائها، فالباب مفتوح أمامه، وبعد شهرين فقط، شرع بعض رجال القرية فى زراعة الخضروات والفصوليا، وكان الشيخ الذى نصحه بتركها أول مرة فى مقدمة الباحثين عن قطعة أرضية بجانب البئر، لأن نجله قرر الانخراط فى المجهود الزراعى المحلى..

يقول ولد عبد الرحمن إن الزراعة لاتزال مزدهرة بالقرية ، رغم خروج مجمل الآبار للخدمة، بفعل ملوحة المياه، رغم أنها لم تتلق قط أي دعم حكومى، والسكان يشترون من وقت لآخر بعض الطاقات الشمسية لإستخراج المياه من الآبار ، لكنها تظل مجرد جهود شعبية متواضعة، رغم تجذر ثقافة الزراعة اليوم بقرية الطلحاية، وخصوبة الأرض، واستعداد المجتمع للعمل فى الحقول، ووجود آبار صالحة للزراعة، رغم عدم صلاحيتها للإستعمال البشري.

منطقة منكوبة بالعطش ولابواكى لها..

قرية الطلحاية ليست مجرد قرية كبيرة من قرى الشرق الموريتانى بحاجة إلى بعض الخدمات الأساسية ، لكنها منطقة منكوبة بالكامل، وخصوصا شح المياه.

لقد خرجت كل آبار القرية من الخدمة بفعل الملوحة الزائدة، وبات الملاذ الوحيد لسكانها هو جلب المياه من منطقة الشامي ببلدية أم الحياظ (55 كلم) ، حيث تعانى أقرب المناطق المجاورة لها لأزمة ملوحة مشايهة (أم لعظام ، أهل المبارك، المدينة، أم لكدور، الدفعة، أهل الشيخ ولد دهمد، المقام، أهل محفوظ ولد عبدى، حاسى السالك.) بينما تواجه اعوينات أزبل - أقرب المجالس المحلية لها-  نقص حاد فى المياه، وهو مادفع الجميع للتوجه إلى الشامى ببلدية أم الحياظ ، للاستفادة من مياهها، بعد أن تمكنت شركة تابعة لرجل الأعمال محمد ولد أشريف من تجهيز بعض الآبار الإرتوازية بالمنطقة، ضمن خدمة قدمتها للسكان المحليين، خلال مقامها بالمنطقة لإنجاز بعض مقاطع مشروع بحيرة أظهر.

يباع برميل المياه حاليا بألفين أوقية قديمة، بعدما تعطلت حركة بعض السيارات المتهالكة إلى القرية، بفعل الطريق الذى غمرته الرمال، وسط غياب أي تدخل من البلدية(حاسي أمهادي) ، أو المقاطعة (تمبدغه)  أو وزارة المياه التى يقودها حاليا أحد أبناء الولاية، أو وجود مبادرة من أي جهة لشراء باص أو حاوية لنقل المياه إلى القرية فى انتظار انتهاء الأشغال بمشروع بحيرة أظهر.

ويقول سكان القرية إن الأنابيب لم تصل بعد  إلى القرية، ولم يتم ربطها بالشبكة الرئيسية فى أم لعظام، وهو مايشكل مصدر قلق لدى السكان، الذين عاشوا 6 عقود بالمنطقة ، ويدركون أن مقام الآلاف بها اليوم دون مياه صالحة للشرب أمر مستحيل !.

بلدية حاسى أمهادي/ الحوض الشرقى
#زهرة_شنقيط
#تابعونا