الصحراويون قوم من شِيمهم أنهم لا ينكرون الجميل ففي المدة الأخيرة تكلم بعضهم-و إن كانوا رسميون- عن نبش الرائد الركن عبد السلام جلود، رئيس مجلس الوزراء الليبي الأسبق، نبشه في التاريخ الماضي و بصراحته التي دأب عليها منذ كان ضمن كوكبة الضباط الأحرار الليبيين و تَبَوّأه منصب رئيس مجلس الوزراء الليبي.
وقبل أن أخوض في ما عرفته عن الرجل و ما يعني قضية الساقية الحمراء، لا بد لي أن أعرج على مناقب أخرى فالرجل هو الذي فاوض الأمريكان و الإنجليز لإجلاء قواعدهم من أرض الشعب الليبي الأبي، أحفاد المجاهد الذي خلده التاريخ عمر المختار، الذي كان نوراً على علم في منطقتنا بعد المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري.
فلمن لا يعرف الرائد الركن عبد السلام جلود من الجيل الثاني أو الثالث، فإني أريد أن أذكّر أجيالنا، بأن لعبد السلام جلود صولات و جولات مع كفاح هذا الشعب الأسطوري.
قبل أن أخوض في الحقائق التاريخية رفقة الرجل، أعرّج على أن الإهتمام الليبي و حتى غيره في منطقتنا، أستطيع أن أحوله الى خطاب القائد الليبي معمر القذافي إبان زيارته لموريتانيا، الذي كان خطاباً مدوياً من مدينة أطار أمام الرئيس الموريتاني مخطار ولد داداه يونيو 1972، مخاطباً اسبانيا الإستعمارية: إنها إن لم تضع حداً لوجودها الإستعماري في الساقية الحمراء، فلا بد أن يتواصل كفاح أبناء المنطقة-إشارةً إلى إنتفاضة 17 يونيو 1970-.
بعد الخطاب التاريخي لمعمر القذافي الشهيد الولي مصطفى السيد-الذي صنفه معمر القذافي في خطاب 11 يونيو 1976 بالصديق-توجه إلى الجزائر فليبيا لطرح موضوع أرض الساقية الحمراء و وادي الذهب على القادة في البلدين.
بعدها بعثت القيادة الليبية برجل إعلامي ليبي إلى الجزائر وموريتانيا أواخر سنة 1972 الدكتور محمد سعيد القشاط الذي إلتقى بالمجاهد الصحراوي: أحمد القايد صالح البشير أحد ضحايا السجون الإسبانية، و ثلة من رفاقه في موريتانيا.
القائد الليبي عبد السلام جلود، بالإضافة إلى مناقبه التي أشرت إلى بعضها، حول إجلاء القواعد الأجنبية من على أرض ليبيا، فقد حمل رسالة الشعب الصحراوي إلى كل من المغرب واسبانيا سنة 1972، و قد أشار إليها في مقابلته مع القناة الفرنسية فرنسا 24، فلربما كان كلام الحسن الثاني حينها صحيحاً، بعد تعرضه لمحاولتَيْ إنقلاب فاشلتين.
فالرائد الركن عبد السلام جلود تكلم وقتها بضمير أبناء الساقية و الوادي.
والرائد الركن رئيس مجلس الوزراء الليبي هو من فتح للصحراويين برنامجاً في الإذاعة الليبية تحت عنوان: الساقية والوادي على طريق الحرية، و هو برنامج أسبوعي غير مراقب سياسياً في الإذاعة الليبية و يعاد بثه في الليلة الموالية.
الرائد الركن عبد السلام جلود هو من تبنى ولوج الأطفال الصحراويين الى المراكز والمدارس الليبية-ما يقارب 2600 تلميذ و تلميذة-.
الرائد الركن عبد السلام جلود فتح مجال القوافل الليبية المحملة بالمؤَن و الخيَم الى اللاجئات الصحراويات بأرض الجزائر المضيافة.
الرائد الركن عبد السلام جلود هو من أشرف شخصياً على إرسال أولى دفعة سلاح موجهة إلى المجاهدين الصحراويين نهاية أبريل و بداية مايو 1974، و التي كانت ضمن صناديق مكتوب عليها: المركز الثقافي العربي الليبي بموريتانيا، حملتها طائرة عسكرية ليبية أقلعت من قاعدة عقبة بن نافع العسكرية، ضواحي مدينة طرابلس-تحولت في ما بعد 11 يونيو 1976 الى قاعدة معيتيقة-.
حطت الطائرة في مطار نواقشوط لنقل الصناديق التي بها الأسلحة و الذخيرة الى السفارة الليبية التي كان يقودها السفير محمد المقرحي و منها نقلت الاسلحة الى المجاهدين الصحراويين بقيادة الشهيد الولي مصطفى السيد و ثلة من المجاهدين الصحراويين وقتها.
الرائد الركن عبد السلام جلود بأمره أفتتح أول مكتب إعلامي لجبهة البوليساريو في طرابلس 15 يوليوز 1975.
فهل يتنكر الصحراويون بفضائل الرجل عليهم و على قضيتهم؟
و إن كان الرائد الركن عبد السلام جلود قد قال بأنهم أسسوا الجبهة فهو يستند إلى اللقاء الذي جمعه بالشهيد الولي مصطفى السيد ستة 1972 و هذا في حد ذاته يفند إدعاءات حكام المغرب بأن جبهة البوليساريو صنيعة الجزائر.
وللعلم فإن الرائد الركن عبد السلام جلود كان متقززاً من تأسيس الإتحاد العربي الإفريقي بين ملك المغرب الحسن الثاني و العقيد معمر القذافي في أغسطس 1984، ضمن إتفاقية مذلة سلّم الحسن الثاني بموجبها الرائد عمر لمحيشي و رفاقه إلى القذافي، وبالمقابل تقطع ليبيا دعمها-الذي كان سخياً-للمجاهدين الصحراويين، و تمت الصفقة فانقطع الدعم من يومها عن جبهة البوليساريو و اغتيل الرائد عمر لمحيشي و رفاقه و الذين من بينهم النقيب سليمان شعيب، الذي سبق له أن أشرف شخصياً على شحن الأسلحة التي أشرت لها سنة 1974.
وقع لي حدث مع الرائد الركن عبد السلام جلود رئيس مجلس الوزراء في اكتوبر 1978، حيث استقبلني في مكتبه، و أثناء الحديث فاتحني قائلاً: "أنتم أبناء الساقية الحمراء لستم كحركات التحرير الأخرى، لا تطلبون مالاً، لقد استغربت ذلك منكم فلما؟"
أجبته: "الأخ عبد السلام، المال يُفسد المعتقد كما يفسد الرجال، فما دمتم تدعموننا بالسلاح و الذخيرة و مستلزمات القتال، و تدرسون الأطفال و ترسلون المؤن و الخيم للاجئات الصحراويات، فهو أفضل من مال قد يفسد رجالاتنا و يتحول إهتمامهم بالقتال إلى إهتمامات أخرى، فجزاكم الله خيراً".
استحسن الرجل الرد و تكلم هاتفياً مع مدير الخزينة الأستاذ: زروق ليسلم للجبهة مالاً تستعين به على نائبات الزمن، وقعت لي حكاية مع الأستاذ زروق لا داعي لذكرها في هذا المقام.
تحية مني و من كل المخلصين الصحراويين لقضيتهم إلى رجل العقيدة و المبادئ و من شِيَمنا في الساقية الحمراء و وادي الذهب أن لا ننكر الجميل.
(*) رئيس الوزراء الصحراوى الأسبق