في وقت كان المتهم ولد عبد العزيز يتوسل شرذمة المتطرفين من عناصر حركة أفلام، ويتعلق بأذنابهم يطارد خيط دخان ويتوهم أن له في حلف بيت العنكبوت معهم مِجنا يقيه الحساب ويدرأ عنه العقاب، جزاء ما أظهر من الفساد في البر والبحر، وبعد أن بات طريد جناياته وفظائعه بين يدي القضاء، وضاق عليه الوطن بما رحب، كما ضاق على حلفائه الجدد من المتطرفين اللذين لفظهم الجميع وأدبر عنهم الأهلون في الضفة ونبذوهم وراء ظهورهم رغم سماحة القوم ونبل محتدهم، فأعلن ـ وإياهم ـ من باريس عن ميلاد ما سموه "تحالف قوى التغيير"، وكان قمينا بهم أن يسموه "تحالف قوى الفساد والتطرف"، بل حتى المتطرفون أنفسهم أعرض عنه بعضهم ونأى بجانبه، ونفر عنه نفور الصحيح من الأجرب، وتبرأ منه براءة الذئب من دم بن يعقوب.
في نفس الوقت كانت الاستعدادات تجري بهدوء وسكينة دون ضجيج أو مكابرة أو مزايدة، للإعلان عن ميلاد المهرجان الثقافي لجول (مهرجان الضفة) لتسليط الضوء على التنوع الثقافي لتلك الولايات وإبراز مكامن الاشعاع الديني والروحي لها، وجلب أسباب بالتنمية والازدهار إليها، وتثمين مكنوناتها ووضعها في صدارة الاهتمام العام للدولة وأجهزتها المختلفة.
وحين كان ولد عبد العزيز الذي تناغم بأريحية لا ريب فيها مع دعوات انفصال شمال البلاد حين ظهرت إبان حكمه البائس وتغاضى عنها إلى حد المباركة أو على الأقل الرضى والموافقة، يضع يده في يد المتطرفين من دعاة انفصال الجنوب في باريس، كان نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يضيف لبنة إلى لبنة في بناء اللحمة الوطنية التي مزقها ولد عبد العزيز وعبث بأطنابها، ويزيد في آصرة التلاحم والترابط الاجتماعي بين مختلف مكونات شعبه، ويخصص مهرجانا سنويا من الدرجة الأولى، (بمستوى مهرجان مدائن التراث) لحاضرة الثقافة والعلم والتراث في الضفة، مدينة "جول" ذات الإشعاع الروحي والتاريخ والثقافي.
وهنا لا مندوحة عن القول إنه ليس بمستغرب من سارق الوطن، أن يتحالف مع الشيطان، بل مع كل شياطين الدنيا والمتطرفين فيها، وهو الذي لم يستنكف إبان عشريته البائدة أن يشجع دعاة الفصل والانفصال ويحابيهم ويسكت على خطاباتهم المقيتة، فقد رعى ونمّى التطرف يوم نادى منادي الفئوية الشريرة وعراب الفصل العنصري أن حي على التفرقة بين مكونات المجتمع الواحد، ووفر لخطابه الشعبوي وسائر خطباء دعاة الفرقة كل اشراط الانتشار والترشح لأعلى المناصب في الدولة، وزرع عن طريق خطابهم البغيض بعبع الخوف بين أركان هذا المجتمع المسالم ومكوناته، لينشغل الناس بالخوف على أمنهم وأمن أبنائهم من مستقبل مظلم يوقدهم إليه ولد عبد العزيز، ويتفرغ هو وشرذمته ممن طغو في البلاد فأكثروا فيها الفساد، لنهب وطن اتخذوه مغنما يسرقون خيراته ويسطون على ثرواته.
إنها قصة نظامين كانا وما زالا طرفي نقيض، كل يعمل على شاكلته وكل حزب بما لديهم فرحون، فأما أحدهما فيسقي وطنه كأس التنمية والانسجام والتلاحم الاجتماعي مترعة بقيم المواطنة والمساواة عبر ترسيخ قيم المدرسة الجمهورية، وتعزيز أواصر التلاحم بين كل أطراف وتخوم الوطن، لا فضل لمركز على طرف ولا لشمال على جنوب، ولا حظوة لمشرق على مغرب ولا لأبيض على أسود ولا لفئة على أخرى، إن هو إلا وطن نحن فيه سواسية كأسنان المشط، ننطلق من الإسلام كدين جامع لا يزيغ عنه إلا هالكنا، ودولة مواطنة تحتضننا جميعا دون استثناء، أما سعينا فشتى، وتفاضلنا في التنافس لإعلاء شأن الوطن وحماية حوزته الترابية ومصالحه العليا.
وأما الآخر فنظام غلبت عليه شقوته وترك خلفه أشلاء وطن منهوب مغصوب، أكل يابسه قبل أخضره، وزرع بين فئاته كل أسباب الشقاق وعوامل الفراق، ويسعى اليوم عرابه جاهدا للإجهاز على ما تبقى منه، بالتحالف مع المتطرفين وعتاة الانفصاليين.
فأي الفريقين أحق بالدعم والمؤازرة، وأي الفريقين أحق النبذ والمحاسبة.
قال تعالى: " مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ"، صدق الله العظيم.
بقلم: محمد محمود ولد عبد الله