ما حدث في العاصمة الأمريكية _على الرغم من محدود ية تأثيره_ أمر يحتاج للدراسة وللتوقف، فإهانة الرئيس واستباحة أمن حراسه وتوجيه الإساءات اللفظية إليهم، عمل استفزازي لاينتمي لأي سلوك ديمقراطي ولا تحكمه قواعد التعبير ولا ضوابط حرية الرأي والنقد، كما لايتناسب وظرف التهدئة السياسية التي تعرفها البلاد، ومناقض أيضا لمسار تخليق العمل السياسي، وخارج تماما عن دائرة المنهج والسلوك الذي اختطه رئيس الجمهورية وحدده كوسيلة للتعبير والتعاطي، والزم به نفسه قبل غيره، فلم يتجاوز في كل خرجاته وخطاباته حدود اللياقة، ولا سور الآداب العامة التي يركن إليها في المجتمعات ذات التربية الحسنة..
لكن ماهو أغرب من كل ذلك أن يخوض الرئيس كل حروبه معزولا ومنفردا دون أن يكون من بين الأعوان من ينتصر له، أو يستلم زمام المبادرة لتسجيل نقطة تعارض مثل تلك الإساءات التي يتعرض لها في كل مكان، بشكل مباشر أو غير مباشر.. وتزداد الحيرة أكثر عند معرفتنا مستوى التمكين الذي خص به رئيس الجمهورية جميع تابيعه، وما يحيطهم به من تبجيل واحترام!
ويطرح الأمر هنا سؤالا يحتاج إلى جواب، هل حكومة الرئيس واجنحته السياسية والإعلامية لئيمة إلى هذا الحد؟ أم أن كوابح أخرى تحول بينها وبين الرد على مثل هذه الحالات التي تجاوزت كل الضوابط، وكسرت كل الحواجز الأخلاقية؟ أم إن حكومة الرئيس، وأجنحته الإعلامية والسياسية جزء من أدوات الهدم الداخلي لنظامه، وأعادء اختارهم بحسن نية دون أن يتبين حقيقتهم، وفي لحظة ما وجد نفسه محرجا من التخلص منهم؟!
لكن بالمقابل هل يساعد سلوك الرئيس وطبيعة تعاطيه مع الأشياء، وتفاعله مع الأحداث أعوانه في اتخاذ مواقف تتسم بالحدية أو على الأقل تستبطن عدم التماهي والمسايرة..!
صحيح أن للرئيس خصوصيته المتفردة في التعامل والتعاطي، لكن كل ذلك لا يبرر استسهال النظام ولا رموز الدولة، كما لا يخرس أفواه الأنصار والساسة والإعلاميين الموالين، اللهم إلا إذا كانت مولاتهم في الأصل جزء من استراتجية تقوم على خلق نواة معارضة من داخل النظام نفسه! واستغلال طيبة الرجل للتعجيل ببسط اليد على كل القوى الحية والفاعلة داخل دائرة النظام، بهدف التسريع باصال المشروع المعارض إلى التحكم..؟!