مقاطعة تيشيت: إعادة الأمل للسكان والإنجاز المحسوس / سيد أحمد ولد باب (*)

قبل بضعة أشهر كانت لى جلسة مفتوحة مع النائب الفاضل عن مقاطعة تيشيت بوي أحمد ولد اشريف ، تناولنا فيها واقع المنطقة بالكامل، والتحديات المشتركة بين المقاطعة وجوارها الجنوبى  (منطقة الباطن وآوكار) ، وآفاق التعاون الممكنة بيننا، والقناعة المشتركة بأن عهدا جديدا قد أطل مع انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، عنوانه الأبرز " إعادة الأمل للآلاف من المحرومين، دون من أو مزايدة". وأن منطقتنا هي المرشحة بحكم عقود الحرمان لأن تكون أكثر مستفيد من نظام ألزم نفسه بحزمة من الوعود المحددة فى مجال التنمية ومحاربة الفقر والحكم الرشيد (تعهداتي) ، وأتسم مطلع حكمه بالإنصاف وإعادة الحقوق لأصحابها، ورفع الظلم عن المظلومين من كل الجهات والإتجاهات والأعمار.

 

يتحدث النائب بوي أحمد ولد اشريف بمرارة عن العزلة القاسية التى عاشتها تيشيت خلال العقود الماضية، وعن هشاشة البنية التحتية بمقاطعة تقف على أكتاف رجل واحد لأكثر من عقدين، رغم حضور بعض أبنائها فى دوائر صنع القرار منذ الإستقلال، لكنها ظلت بحاجة إلى تدخل النائب فى مجمل المجالات الحيوية لتأمينها بشكل يومى للسكان (البنزين  والمياه والنقل والغذاء والسمك.. إلخ ).

 

شكل تنظيم النسخة الأولى من مهرجان المدن القديمة فرصة لإعادة ترتيب بعض الأمور الأولية داخل المقاطعة، وفرصة لتكتشف النخب الموريتانية الزائرة قساوة الظروف بمدينة ظلت مصدر إشعاع وإلهام لكل مهتم بالقيم المحسوسة على مدى تاريخ البلد، وشاهد غير قابل للخلاف على عظمة الإنسان الموريتانى، وقدرته على فرض الإستقرار وإعمار الأرض أينما حل.

 

يعتقد نائب تيشيت بوي أحمد ولد اشريفأن المقاطعة لن تكون قادرة على مواجهة التحديات القائمة، مالم ترتبط بطريق حيوي مع عاصمة الولاية (تجكجه) وأن واقع السكان يحتاج للكثير من الجهود، مؤكدا فى الوقت ذاته أن أجمل ماميز مطلع حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى هو حل مشكل المياه بشكل جذرى فى المدينة التاريخية وضواحيها، عبر حفر آبار ارتوازية وسط المدينة وجنوبها وشمالها، وقد بذل النائب جهودا مضنية من أجل الوصول إلى تلك النتيجة التى كانت مصدر فرح للآلاف من المهمشين والفقراء داخل ذلك الركن القصي من بلاد شنقيط. لقد بدأت ملامح مرحلة جديدة بالفعل،  من زراعة أهلية للخضروات، إلى إعادة بث الحياة فى واحات النخيل المتضررة جراء عقود الجفاف الأخيرة ، مع تقليل المخاطر الناجمة عن شرب المياه المالحة، وتوفير الماء بفواتير مقبولة لطالبيه.

يقول النائب بوي أحمد ولد اشريف إن مشروع فك عزلة الإتصالات الهاتفية الذى أقرته الحكومة ضمن خطتها الرامية لتنمية المقاطعة خلال مهرجان مدائن التراث، قد أكتملت أضلاعه (خمس محطات دفعة واحدة) ، وقد شكلت الروح الإيجابية للقائمين على سلطة التنظيم (الشيخ أحمد ولد أحمدات سابقا وخلفه لاحقا) فرصة لإكمال المشروع قبل غيره من مجمل الخطط التى أقرت خلال أول إجتماع للجنة الحكومية المشتركة.

 

وبين الطريق الرابط بين تجكجه وتيشيت (240 كلم) باتت حركة السائقين مصحوبة بخطوط اتصال مفتوحة طيلة خط السير ، لتنهي تلك المحطات المتناثرة على هضبة تكانت أيام التيه والإخفاء القسرى لسالكي تلك الطريق عن الأهل والأصدقاء، والفراغ الذى يشعر به المسافر فى بيداء موحشة لغير العارفين بدروبها المتشعبة.

 

فى مدينة تيشيت يقيم مدير مشروع الواحات محمدو ولد محمد محمود أو يكاد منذ فترة، وفيها دبت الحياة فى مشاريع جديدة لصالح السكان الأكثر فقرا، لقد أنتهى عهد احتكار الأرض ومظاهر الفخر (واحات النخيل) ، وباتت الطريق سالكة للملكية الفردية بدعم وتأطير مباشر من قطاع الزراعة، الذى يستعد الآن للكشف عن أكبر واحة بالمدينة التاريخية، مملوكة بالكامل من بعض الأسر الفقيرة لا رموز التأثير وصناع القرار.

 

ولم يكتف الرئيس بذلك،  بل وجه قطاع الإسكان لاستصلاح مساحات جديدة، من أجل تأمين منطقة سكنية لكل راغب فى العودة إلى تيشيت، وتلبية الطلب المتزايد على الإقامة فيها من سكان البدو المجاورين، مع مد أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء إليها، وبناء مدرسة جديدة، وترميم المدرسة القديمة،  وبناء روضة للأطفال، وتعزيز طاقة محطة الكهرباء ، ورفع عدد المستفيدين من خدمات تآزر، وتقسيم مواد غذائية بشكل دورى على الفقراء من طرف مفوضية الأمن الغذائي،  مع الإستمرار فى دعم متاجر أمل بالمقاطعة،  وزيادة حصتها السنوية من الأعلاف، وتعزيز طاقة المركز الصحي، وتوفير سيارة إسعاف بشكل دائم، لنقل المحتاجين إلى تجكجه، حيث يباشر قطاع الصحة بناء أكبر مستشفي بالولاية منذ الإستقلال عن فرنسا ١٩٦٠.

 

يدرك النائب بوي أحمد ولد اشريف أن أحلامه قد لاتتحقق بالكامل، وأن إرث عقود من التهميش لن تكفى مأمورية واحدة لحلحلته، لكن معالم الطريق تشى بقرب الوصول إلى بر الأمان بشكل سلس، دون بهرجة أو مزايدة أو المس علنا ممن ساسوا البلد أو تولوا مناصب حساسة  فيه. لكن الوقائع تحدث عن نفسها،  والمنجز الملموس لايحتاج أصحابه إلى الخروج عن المألوف لإقناع المستفيد بقيمة ماتحقق له من مكاسب تنموية فى فترة وجيزة، فهو صاحب الأرض والمستفيد الأول والأخير من أي إنجاز،  والمتضرر كذلك من عقود التهميش الماضية والإقصاء العابر للجغرافيا، مهما حاول البعض إقناعنا بواقع غير الواقع الذى نعيشه الآن.

 

سيد أحمد ولد باب (*)