برلمان 2018: محطات حاسمة ومكتسبات شاهدة للأجيال اللاحقة والتاريخ (مواقف وأرقام)

قد تكون مداخلة رئيس الجمعية الوطنية الشيخ ولد بايه مساء الثلاثاء 31 يناير 2023 آخر كلمة يوجهها الرجل لنواب الأمة في الإنابة الحالية  خلال جلسة رسمية، بعدما قررت الأطراف السياسية الفاعلة في البلد، تعجيل الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية عدة أشهر عن موعدها المنصوص في الدستور، ضمن اتفاق سياسى رعته وزارة الداخلية، من شأنه أن يمهد لاحقا لحل البرلمان.


 

ستخلو  - دون شك - خلفية تأسيس القرار المنتظر قبل نهاية فبراير 2023 من أي تلميح أو تصريح بشأن عرقلة البرلمان للسير الحسن للسلط، أو تجاوز القائمين عليه للنصوص القانونية المعمول بها، أو التقصير في القيام بالواجب، أو تهديد المنظومة الديمقراطية بالبلد، وهي عبارات طالما لجأت إليها الأنظمة السياسية في العالم الثالث لتبرير حل البرلمانات المنتخبة ، تمهيدا لإنتخابات برلمانية جديدة أو التخلص من كيان مزعج لصناع القرار. لكنها مقتضيات اللحظة، والأعراف السياسية الحاكمة للنصوص، والتى تعلى من شأن التفاهمات السياسية، وتجعل الكل ينصهر في بوتقة المشروع الجامع لأكبر توجه داخل البلد، والمساهمة من موقعه في تحقيق مايخدم البلد واستقراره ويعلى من شأن مؤسساته السيادية.

 

 

فاتح أكتوبر 2018 وصل رئيس الجمعية الوطنية الحالى الشيخ أحمد ولد بايه، وهو يسير بخطى متثاقلة إلى كرسي الرئاسة داخل البرلمان، متأثرا بتداعيات الحادث الذى تعرض له قبل انتخابه بأسابيع على الطريق الرابط بين نواكشوط ونواذيبو.

 

كانت الأغلبية موحدة خلف الرجل، ومعها صوت العديد من نواب المعارضة، وتحفظ آخرون، لم يروا في النائب الشيخ ولد بايه أكثر من ضابط حملته الأقدار إلى قبة البرلمان. بيد أن السنوات التى أتيحت للرجل داخل الجمعية الوطنية كانت كفيلة بتغيير تلك الصورة التى رسمت عنه، ومكنته من إنجاز مالم ينجز غيره للبرلمان والبرلمانيين، وللمنظومة التشريعية بالبلد، وللعمال الذين كانوا على موعد مع تاريخ لم يتوقعوه.

 

 

لم أزر الجمعية الوطنية منذ تحولها إلى مقرها الجديد، ولم أزر مكتب رئيسها الشيخ ولد بايه أو نوابه، وأكتفيت بحضور مندوبين عن المؤسسة للجلسات أو متابعة ما يجرى من نقاش ومداولات عبر البرلمانية أو المصادر المفتوحة داخل مجمل الفرق البرلمانية المشكلة لها، رغم أن المؤسسة التى أديرها حصلت على اعتماد مفتوح لتغطية الجلسات والدخول أي وقت لتغطية أخبار المؤسسة البرلمانية، ضمن إجراءات قانونية أعلنتها الجمعية مع تولى ولد بايه لقيادتها، وكان الأمين العام عبد الله ولد صالح حريصا على تنفيذها دون تمييز أو انتقائية.

 

 

 اليوم وقد أغلق البرلمان أبوابه في آخر دورة برلمانية عادية، وربما تكون آخر دورة برلمانية خلال الإنابة الحالية، قررت فتح ملف الإنابة البرلمانية الأخيرة لرسم ملامح مرحلة مهمة من تاريخ البلد، مرحلة كانت النخبة السياسية تتابعها من بعيد دون غوص في التفاصيل، والرأي العام شاهد على وجهها الخارجى، لكن حصاد الإنابة فيها ظل خارج أسوار التداول، وهو حصاد يكشف حجم العمل الذى تم القيام به خلال أقل من خمس سنين.

 

 

بيئة العمل والتغيير الملاحظ

 

عندما تسلم الشيخ ولد بايه مقاليد الجمعية الوطنية ،وقبل عودته إلى أسبانيا لإستكمال العلاج طالب أبرز معاونيه بإعداد ورقة شاملة عن الجمعية الوطنية، نقاط الضعف والتحديات القائمة، وفرص التغيير الممكنة، بغية رسم خارطة طريق يمكن العمل عليها خلال الإنابة الحالية.

 

ومع عودته شرع رئيس الجمعية الوطنية في ترتيب أوراقه، وكان تغيير مقر المؤسسة أولى أولوياته، فالبرلمان الذى يقوده لايزال حبيس جدران مقر حزب الشعب الحاكم في ستينيات القرن المنصرم، ولاتزال النخبة المكلفة بإدارته عاجزة عن الحصول على قاعة لعقد اجتماع أو تسيير جلساتها بشكل متزامن.

 

كانت اللجان الخمس الدائمة لديها مقار معروفة، وقاعة مخصصة للضيوف، ومكاتب للرئيس وأثنين من نوابه فقط، ولرؤساء اللجان والمسير مكاتبهم المتواضعة، بينما لايمكن عقد اجتماعات متزامنة للجان، ويجد النواب صعوبة في ضبط القاعة خلال الجلسات الكبيرة، والتى تخصص لعرض تقارير الوزير الأول أو إقرار الميزانية العامة للدولة، أو عقد جلسة برلمانية حاسمة لتمرير مشروع مهم لدى النخبة السياسية بالبلد.

 

سنة 2015 تم بناء مكاتب جديدة بالجمعية الوطنية لتخفيف الضغط الملاحظ، لكنها محاولات ظلت خجولة، وظل حلم تأسيس مقر خاص بالجمعية الوطنية مطروحا بقوة، رغم تعثر المحاولة التى قام بها الرئيس السابق للبرلمان مسعود ولد بلخير، بعدما توترت العلاقة مع جهة التمويل (القطريين) واعترض بعض النواب على الموقع لذى كان مخصصا لبناء الجمعية الوطنية على أطراف العاصمة نواكشوط.

 

مكن الحضور القوى للشيخ ولد بايه في هرم السلطة وعلاقاته الوازنة، من تسريع حلم البرلمانيين، ومع بداية احتفالات البلاد بعيد الإستقلال 2019 تم وضع حجر الأساس لمقر الجمعية الوطنية الحالية من قبل رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى، وفى مساحة بالغة الأهمية، وذات رمزية كبيرة بالنسبة للمؤمنين بقيمة المؤسسة البرلمانية.

 

كما عمل الشيخ ولد بايه من أجل تطوير الوسائل المطلوبة لتعزيز استقلالية النواب وترقية بيئة العمل، فكانت المكاتب المجهزة لكل نائب، وآلية التصويت الإلكترونية، والتحكم في الصوت والصورة، وترقية العلاوة الممنوحة للنواب، حيث تمت مضاعفتها خلال الإنابة الحالية، مما ساهم في رفع التحديات التى يواجهها المشرع، وعززت من استقلاليته وتفرغه لمهامه، وقدرته على تمثيل الدائرة الانتخابية التى يمثلها بالجمعية الوطنية.

 

كما تم تأمين مكانة النواب المعنوية، ضمن علاقة واضحة مع السلطة التنفيذية أساسها التعاون وفق النصوص القانونية واحترام الآخر ، وتفعيل الأشكال والنصوص المنصوص عليها في الدستور والقوانين المعمول بها دون شطط أو خضوع.

 

الإطار التنظيمى للجمعية الوطنية

 

 عمل رئيس الجمعية الوطنية خلال الإنابة الحالية على تعديل وتحيين وتطوير الإطار القانونى المنظم للجمعية الوطنية، كالنظام الداخلى، والنظام المالى، والنظام الأساسى، واحترام قرارات المكتب. وهي اجراءات مكنت من تحسين بيئة التشريع، ومكنت الجمعية الوطنية من القيام بالمهام الموكلة إليها بشكل سلس.

 

عبر تكثيف الأسئلة البرلمانية لأعضاء الحكومة، ومنح مجلس الرؤساء حق تكييف الأسئلة الموجهة للوزير الأول، وتحديد جهة الاختصاص التى يجب أن تجيب على السؤال، وتحديد فترة لا يمكن تمرير النصوص قبلها (10 أيام) مالم يصحب النص برسالة تبرر وجه الإستعجال، وفى هذه الحالة يرجع لمؤتمر الرؤساء في تقدير المسألة، باستثناء الإتفاقيات الدولية ذات الطبيعة الخاصة، وغير القابلة للتعديل من قبل البرلمانات المحلية.

 

كما تم حسم ملف التصويت الإلكتروني، وحسم معركة السيادة في مجال اللغة، عبر تمكين المواطن من الإستماع للمداولات البرلمانية باللغة التى يفهم، وذلك بإقرار حتمية الترجمة الفورية باللغات الرسمية والوطنية (العربية والبولارية والسونكية والولوفية) ، وهو ما عزز من امكانية نفاذ المواطن العادى إلى مايدور في الجلسات البرلمانية المفتوحة، وكانت المعركة جد صعيبة، لكن ربحها رئيس الجمعية الوطنية في النهاية، وأدار البرلمان وفق النصوص الدستورية، معليا من أحقية المواطن العادى في الإستماع إلى مايدور في البرلمان باللغة التى يفهم ويتكلم.

 

ساهمت الإجراءات القانونية الجديدة في تعزيز الرقابة البرلمانية على الحكومة، وبات من الممكن الإستماع لأربعة وزراء في يوم واحد، حيث خصص نصف ساعة للسؤال للنائب والوزير المعنى بالاستجواب، وفى حالة فتح النقاش أمام بقية النواب، تم تخصيص ساعة ونصف للسؤال الواحد، بينما كانت السؤال الواحد يستغرق أربع ساعات، وفى الغالب لا يمكن استجواب أكثر من وزيرين في اليوم الواحد.

 

كما ساهمت التغييرات الداخلية في تعزيز النظام الإدارى والمالى للجمعية الوطنية، وتعزيز قدرة الفرق البرلمانية، عبر التعامل مع مختصين في القانون والمالية والطب لإعطاء الراي والمشورة اللازمة وبشكل مستمر، وهو ما حسن من أداء نواب الجمعية الوطنية، وخفف من الضغط الذى كانت الفرق تخضع له، جراء تشعب القضايا المطروحة للنقاش.

 

 

الدبلوماسية البرلمانية

 

خلال الإنابة الحالية قرر رئيس الجمعية الوطنية تنشيط العمل البرلمانى الدبلوماسى، وتأمين الحضور الفاعل في كل المحافل الدولة. ورغم الأزمة العالمية التى عطلت الحركة بين دول العالم حافظ البرلمان الموريتانى على دوره وحضوره داخل الساحة البرلمانية العالمية، عبر المشاركة الفاعلة في البرلمان العربى، والبرلمان الإفريقي، والبرلمان العالمى، والبرلمان الإسلامي، وبرلمانات افريقيا وآسيا والمحيط الكاربى، وكانت وفود البرلمان الموريتانى حاضرة بكل في كل المنتديات، مع الحرص على تمثيل كل الفرق البرلمانية دون تمييز على أساس الانتماء أو الموقف من رئيس الجمعية الوطنية أو الحزب الذى أختاره.

 

كما نظم زيارة لمجلس المشترين بالمملكة المغربية، واستقبل وفود مغاربية، ونظم البرلمان قمة لبرلمانات دول الساحل، وكان حضور رؤساء لساحل لها محل ترحيب وإشادة بالدور البرلمانى المعزز للعلاقات القائمة بين الدول، والعلاقات الشعبية العابرة للجغرافيا وإكراهات الأمن والفقر.

 

القناة البرلمانية

 

تمكن رئيس الجمعية الشيخ ولد بايه من قيادة تجربة غير مسوقة بالمنطقة (القناة البرلمانية) وحماية الخط التحريرى لها، وتحويلها إلى مؤسسة عمومية خادمة للشعب، وساهمت القناة بشكل كبير في ترقية الثقافة الديمقراطية بالبلد، ومنحت المواطن فرصة لطرح مشاكله عب برامجها المتنوعة، ومحاسبة منتخبيه بشكل دائم، ومراقبة أداء النواب الذين أختارهم لتمثيله في الإنابة الحالية، مع متابعة ما يجرى بشكل كامل دون قص أو تلاعب بالمضمون أو تشويش على لفكرة المطروحة من أي نائب، مهما كان توجهه وخياراته السياسية.

 

وقد ساهمت القناة البرلمانية في رفع سقف الحرية بالبلد، وكانت رافعة إعلامية كبيرة للنظام، وهو يرسم صورة رائعة لمستوى الحرية والتنوع داخل البلد.

 

طريقة إدارة المؤسسة

 

حرص الشيخ ولد بايه خلال فترة الإنابة الحالية على إدارة المؤسسة بشكل مسؤول، عبر التعامل بشكل متساوى مع النواب، داخل الجلسات البرلمانية وخارجها. ولم يتخذ أي اجراء ضد أي نائب على أساس موقفه أو انتمائه، كما ظلت مجمل حلقات الإدارة البرلمانية خادمة للمؤسسة لتشريعية ومحايدة تجاه النواب، وعملت إدارة التشريع بشكل كامل مع النواب دون تمييز، توفيرا للوثائق، وبرمجة للأسئلة، وتلبية للطلبات، وبشكل مهنى في تعاملها مع نواب الجمعية الوطنية.

 

كما حرص الرئيس الشيخ ولد بايه على التعامل بشكل أخلاقى مع صغار العمال، وتقدير ظروف البوابين وعمال النظافة والحراس، وكانت الإدارة البرلمانية إلى جانبهم وبشكل غير مسبوق في كل المناسبات (الأفراح والـأتراح) مع تقدير المجد، وضبط سلوك الجميع دون مساومة في تأدية الخدمة العمومية أو القيام بالواجب.

 

وظلت الحالات الإنسانية للنواب محل متابعة، وكان إلى جانب مجمل نواب الجمعية الوطنية في كل المراحل الصعبة اتى مر بها بعضهم، مع تقدير الجميع دون استثناء، وهو ما أكسب العلاقة بينه وبين البرلمانيين طبيعة خاصة، وساهم في تحويل الجمعية الوطنية إلى رافعة للديمقراطية، دون عرقلة لمشاريع الحكومة أو التشويش على العمل التنفيذى أو اتخاذ الموقف والموقف ذريعة لتشويه صورة العمل المقام به.

 

أرقام ناطقة خلال الإنابة الأخيرة

 

رغم إكراهات كوفيد (سنتين من الجائحة) وتقليص فترة الإنابة بسعة أشهر، تمكنت الجمعية الوطنية من تأمين 11 دورة برلمانية، بينها دورتين طارئتين، وتنظيم 172 جلسة برلمانية علنية، وتمرير 139 مشروع ، بينهم 69 اتفاقية تخدم البلد وتنمية مجالات حيوية كالمياه والصحة والزراعة والتعليم والمعادن، وكانت نسب التعديل في امشاريع المعروضة 39% وهي نسبة عالية، مع تمرير خمس ميزانيات، وتسوية خمس ميزانيات، وتعديل الميزانية 6 مرات، بطلب من الحكومة.

 

وأصدرت الجمعية الوطنية أربع توصيات خلال الإنابة الحالية، بينها توصية بشأن القدس، وثلاث توصيات بشأن اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملف الفساد، وشكلت لجنة برلمانية كانت أول لجنة برلمانية تنهي أعمالها، وأحالت تقريرها إلى القضاء للبت فيه.

 

كما قامت الجمعية الوطنية ببرمجة 71 سؤال شفهى، وأربعة أسئلة كتابية ومسائلتين، واقرت تشكيل لجنة استعلام، تم إرسالها إلى منطقة الضفة، ونوقش تقريرها مع الحكومة، وأحيلت نتائجه إلى القطاعات الوزارية للنظر فيه، وتنفيذ التوصيات الصادرة فيه.

 

كما قامت لجنة العدل والداخلية والدفاع بنقاش تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الثلاثة الأخيرة، واستدعت رئيسها لنقاش التقرير معه.

 

وكرمت نخبة من أبناء البلد في كل المجالات الحيوية، واستمرت الرقابة الداخلية على تسييرها من قبل لجنة برلمانية تقودها المعارضة، وكانت تقارير التسيير والصرف تناقش سنويا مع المكتب من قبل اللجنة المذكورة.

وتم تعزيز ملف الصيانة والنظافة واعطاء أولوية لصيانة المنشأة الجديدة، وتم تسيير نظام الجلسات خلال فترة كورونا بشكل يتماشى والتوصيات الصادرة عن وزارة الصحة، ويحترم أسس التمثيل داخل الجمعية الوطنية.

 

متابعة زهرة شنقيط