قبل ثلاثة أشهر على نهاية العام الحالي، وعلى بعد بضعة أسابيع من ترأس رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لوقائع مهرجان مدن التراث بمدينة ولاته التاريخية، لاتزال الجهود الرسمية المبذولة لتنظيم المهرجان دون مستوي الطموح.
حيث لم تعلن حكومة الوزير الأول محمد ولد بلال عن إجتماع اللجنة الوزارية المحضرة للمهرجان، ولم تكثف طواقم القطاع المكلف بالتحضير له زياراتها الميدانية للمنطقة، ولم تعلن أي مشاريع مصاحبة يمكن تقديمها للسكان خلال النسخة الحالية، سوى مشروع مياه ولاته الذى تمت حلحلة بعض الأمور المتعلقة به خلال الأسابيع الأخيرة، ضمن الديناميكية التى تشهدها بعض المشاريع، بعدما تولي رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الإشراف عليها بنفسه.
إن تأجيل المهرجان إلى مطلع السنة القادمة أمر غير مناسب، بحكم الأجواء المنتظرة قبل الإنتخابات الرئاسية بموريتانيا يونيو 2024، والشروع فى تنظيمه دون تحضير أمر غير وارد، وتمييز بين المدن، ماكان له أن يمرر فى عهد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، خصوصا بعدما تاقت أنفس السكان إلى إستثمارات ميدانية فى مجال البنية التحتية والإهتمام بالسكان، حضرا كانوا أو فى الريف.
لقد تسارعت وتيرة الأشغال بالفعل فى المحطة الجهوية للإذاعة الوطنية، وزار مديرها المقاطعة أكثر من مرة، ويجب أن تصحب الخطوة بتعزيز البث فى المناطق المجاورة، بغية ربط السكان بوسائل الإعلام الوطنية، ومايجرى فى البلد من أحداث وأنشطة.
كما أن سكان المناطق المحيطة بولاته من "بوبريكه" فى الشمال الغربي" إلى "لفوده" فى الشرق، يجب أن يشركوا فى المهرجان، تأطيرا لمجتمع يعيش أغلبه فى الريف، ودعما لفقراء تتوزعهم الأودية والسهول والباطن، وتأكيدا على تقريب الخدمات العمومية من المحتاجين إليها، وذلك عبر فتح نقاط صحية فى بعض المناطق النائية (بوبريكه 120 كلم الشمال الغربي) و(حاسي أهل أجبوبه 70 كلم شرق ولاته)، وتقسيم بعض الأجهزة المسهلة لجلب المياه من الآبار العميقة (كمية من أجهزة سحب المياه باالطاقة الشمسية)، وتنظيم زيارة للوفود الرسمية المشاركة فى المهرجان لبعض المناطق التاريخية بالباطن، والتي كانت ذات يوم مقرا لبعض الإمارات السودانية، وطريقا للقوافل التجارية ومسارا يسلكه الحجيج. مع تخصيص مشاريع مدرة للدخل لسكان الريف من أجل إشعار المواطن العادي بقيمة النسخة الحالية من المهرجان، وتميزها عن النسخ السابقة، التي كانت مجرد مسرحيات وأغاني وتبادل للخطب وإنشاد لركيك الشعر وغريبه، ضمن لعبة يشغل بها البعض وقت الحضور من رسميين وغير رسميين، ويجني ريعها القادمون من العاصمة نواكشوط (عقود عمل وخدمة وضيافة ورعاية للمهرجان)، دون أي أثر على أرض الواقع، لغياب الإرادة العليا لدي القائمين على الشأن العام فى البلد، وتحرك القطاعات الوزارية ضمن دائرة ضيقة وصلاحيات محدودة، وكأن أصحاب القرار نظموا المهرجان دون رغبة أو قرروه دون رؤية أو تصور.
إن الأولوية فى المهرجان يجب أن تكون للسكان المحليين، فلا مجال لفرض محاضرين وفى المنطقة من هو أكثر علما وأدرى بما سيتحدث عنه هؤلاء، ولامعني لتهميش أهل الفن وصناعة الكلام من سكان المنطقة لصالح رواد المكاتب من أهل العاصمة وضواحيها، ولامعني لتهميش المواهب الشبابية الصاعدة فى المنطقة وإستراد آخرين، لتكرار نفس المشاهد التي تم عرضها فى شنقيط وتيشيت ووادان.
كما أن شباب المنطقة بحاجة إلى الإشراك من بوابة كرة القدم ، عبر إطلاق دورى المدن القديمة بالتزامن مع النسخة الحالية فى ولاته، تشجيعا للرياضة الوطنية، دون الإستماع لبعض الحجج والأعذار الواهية. فالمسرح جديد والرقص آخر ماكان يشغل إهتمام ساكنة المدن المزارة، ولامعني لمنح تلك الفنون أكثر مما تستحق لعبة باتت اليوم تستهوي أفئدة الملايين من الشباب حول العالم.
كما يجب توجيه الدعوة لعدد من ضيوف البلد الذين وصلوا المنطقة مكرهين (اللاجئين الأزواديين فى باسكنو)، فمن الإنسانية بمكان أن يتمتع بعض أطفال المشردين بفعل الحروب والفقر وكبار السن، بلحظات فرح داخل البلد الذى تحمل عبئ الضيافة، وهنالك مشاهد يجب أن يرويها من شاركوا فى النسخة الحالية للمقيمين فى مخيمات اللجوء، لتعزيز الصورة الإيجابية عن بلد فتح ذراعيه للأشقاء دون من أو أذي، وأختار فصل الإنساني عن السياسي فى تعاطيه مع ملف شائك ومعقد كالحرب التي تدور حاليا بجمهورية مالي.
إن النسخة الحالية يجب أن تكون مميزة، لا لأنها الأخيرة قبل إنتخابات الرئاسة، بل لأنها الرابعة منذ وصول رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، وهنا يحدوني الأمل فى توجيه طلب لفخامته من أجل عقد إجتماع موسع مع رموز منطقة آوكار على هامش النسخة الحالية، يستمع إلى المشاكل المطروحة، ويستعرض معهم أبرز التحديات القائمة، ورؤيته للبلد والمشاريع المحتمل تنفيذها فى المنطقة، ولم لايتم خلالها الإعلان عن حزمة مشاريع جديدة للمنطقة، تستهدف مجالسها الثلاثة، بوصفها منطقة ذات هشاشة عالية،وظلت طيلة العقود الماضية خارج اهتمامات صنع القرار بموريتانيا.
رئيس منتدي آوكار : سيد أحمد ولد باب
24-09-2023