كرة القدم وصناع القرار ؛ استثمار عصرى بلا مخاطر (تقدير موقف)

 

 

يشكل التعامل مع الشباب (تأطيرًا وتوجيها) أحد أبرز التحديات المطروحة للنخبة السياسية الحاكمة، ولصانع القرار المهتم بتثبيت أركان حكمه وقيادة مجتمعه نحو مزيد من التكامل والتماسك والانسجام والقيام أولًا وأخيرًا بما يمليه واجبه كمكلف بتحقيق حكامة راشدة فيها للشباب نصيب وافر، بحكم الاعتماد عليه فى الحاضر، والحاجة إليه فى المستقبل المنظور.

 

وقد تعرض نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لحملة إعلامية شرسة من قبل خصومه خلال الفترة الأخيرة، وأستغل البعض هجرة بعض النخب الشبابية طواعية إلي الولايات المتحدة الأمريكية عبر الجدار  الفاصل مع المكسيك، بحثا عن مستوي من المعيشة أفضل، وتأمينا لمكاسب مالية سريعة، فى ظل سهولة الوصول إليها بعد اكتشاف طرق غير تقليدية للهجرة لايمر صاحبها بثبد البحر الذى كانت أمواجه أبرز سياج حال بين الأفارقة والحلم الغربي، بعدما أغلقت منافذ الدخول الشرعية بين أوروبا ومستعمراتها السابقة، وتكلفت دوريات الأمن المشتركة بملاحقة الحالمين بالعبور إلي الشريط الحدودي عبر قوارب الموت، المبحرة من شواطئنا المنهوبة من سفنهم متعددة الجنسيات إلي حيث الحلم الإفريقي بالمستقبل الواعد.

 

غير أن ذاك التيه الذى صاحب الموجة الأخيرة وتلك الحسرة التي خلقتها ظروف عابرة ، لم تمنع البعض من صناعة الأمل، وفتح أفق آخر للشباب الموريتاني، تسلية له فى وطنه، وجمعا لكلمته حول ألوان علم البلاد، وتأطيرا له فى الملاعب الرملية المتاحة فى كل مقاطعة، وفتحا للأفاق أمام متميزيه من أجل طرق أبواب الاحتراف فى الدوريات العربية والأوربية (هجرة مطلوبة مقابل مال وفير وتغطية إعلامية) ، وهو ما مكن من تأمين مستقبل أفضل للعديد من الأسر المتعففة، والتي بات لأبنائها دور بارز فى صناعة مجد بلد، كاد بعض أبنائه أن يحيل فيه صاحب كل موهبة إلي محرقة المواهب، بفعل الزبونية والإنتقائية وسوء التسيير .

 

إن الفرح الذى كتمناه فى الأنفس تقديرا لجراح الأشقاء بليبيا والمغرب عشية تأهلنا الثالث للكان، والثاني فى تاريخنا منذ وصول رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة هو فرح غير متكلف، ولحظة تاريخية بامتياز،، وشعور أختلط فيه الإحساس بقيمة المنجز والفخر بما آلت إليه بعض مؤسساتنا من رشد ، باتت نتائجه تقطف نصرا فى الملاعب وحضورا فى دوائر صنع القرار العالمية ، وسمعة حسنة بين شعوب العالم، وسفارة فرضت علي الأبيض والأسود والكافر والمسلم والقريب والبعيد والجار المشاكس والجار الشريك أن يتعامل باحترام معنا، وأن يستمع إلي نشيدنا وهو يعزف بكل قوة وشموخ ، وقد حمته أجساد تدربت بشكل احترافي، فى ظروف مثالية وعقول راقية تخطط وتنفذ باتقان، لتقول للعالم بأن الرؤية السلبية التي تشكلت ذات يوم عنا ، باتت من ماض لانريد الرجوع إليه بحال من الأحوال، وتخبر الصديق والحاضنة الشعبية أن مستقبلنا بأيدينا إذا نحن أحسنا التصرف وتضامنا فى مواجهة السلبية والتشويش الذى ترعاه خلايا التأزيم وحراس العجز الذين لايريدون  للحاضر أن يكون مختلفا عما عاشوه ولا للمستقبل أن يكون بقدر مانطمح له ومن أجله نكافح ونسهر .

 

ولعل الجميل فى كرة القدم (ساحرة الكل) هو القدرة علي تأطير وتوجيه الكل بقدر قليل من الجهد والإمكانيات ، وأنها بقدر ماتمنح لها من المال والوقت تجنيه منها من المكاسب الإعلامية والسياسية والمالية دون تبعات محتملة، عكس مجمل المشاريع الأخري.

 

إن النجاح فيها يحسب للدولة ككل، وللنظام الحاكم بشكل أساسي، والفشل فيها يتحمله بالأساس الطاقم الإداري أو المدرب أو التشكلة، بل وتتحمل أرضية الميدان والتحكيم والظروف الخارجية بعض المسؤولية دون أن تنال الحاكم (رئيسا كان أو ملكا أو أميرًا) شظايا الفشل إن وقع، ويجني ريع النجاح إذا تحقق، إنها استثمار آمن، وحاجة قائمة، ومصلحة تحتاج من كل أصحاب القرار تقديرها، والعمل ضمن رؤيةً ناظمة لتحقيق ماتصبوا إليه الشعوب من مكاسب تنموية ولايمكن أن توفره كرة القدم من فرص واعدة بعون الله.

 

إن أي مشروع كروي - إذا كتب له النجاح - وتوافرت له شروط موضوعية يحتاجها كل مشروع جاد( وضوح الرؤية والإستقرار الإداري والتمويل اللازم ) يعني انخراط المجتمع فى حرب مفتوحة ضد المخدرات والسرقة والفراغ العابر للأعمار ، وهو فوق ذلك توجيه مدروس للشباب، وتأطير للآلاف من أبناء البلد، وخلق لظروف عيش حسنة للعديد من المميزين، وسفارة تدخل كل بلد دون تأجير منزل أو تعيين سفير. 

 

إنه ببساطة استثمار عصري وآمن، وفى البلد بحمد الله وفضله من يقدر الأمور ويتعامل مع الوقائع ببصيرة ورشد ورؤية شاملة، ولعل المستقبل يرينا من منح الجليل مانرتاح له الأنفس وتطمئن به القلوب ا الحالمة بدولة كروية ناهضة، وشعب منسجم خلف ألوان علم ضحت من أجله مجمل مؤسسات الجمهورية وهو عنواننا الذى نفتخر به كل الأمم.