أحمد ولد خطري يكتب : المبحر الموريتاني: بين الإدمان الرقمي، جلسات التحليل السياسي المجانية ...

المبحر الموريتاني: بين الإدمان الرقمي، جلسات التحليل السياسي المجانية، وتهديد الوطن باسم الحريات الافتراضية

مقدمة ساخرة ولكن واقعية

في زمن أصبح فيه الهاتف الذكي امتدادًا طبيعياً لليد اليمنى (أو اليسرى حسب توجهاتك)، لم يعد مستغربًا أن تجد المواطن الموريتاني مشغولًا، لا بعمله، ولا بمستقبله، بل بإدارة "مجلس الشيوخ الرقمي" على فيسبوك أو إشعال "ثورة ثقافية" في مجموعات الواتساب.
هذا الجهاز العجيب الذي تم اقتناؤه بعد مفاوضات شاقة مع صاحب المحل، أو بعملية تمويل لا تقل تعقيدًا عن ميزانية الدولة، أصبح منصةً حرةً لمن شاء التحول إلى مفكر، أو محلل، صحفي استقصائي، أو حتى قاضٍ رقمي يصدر الأحكام دون الحاجة لدراسة القانون.
لكن، وسط بحر هذا العبث، يبقى السؤال: هل يمكن استخدام الهاتف الذكي بطريقة مفيدة؟ أم أن قدره أن يكون سلاحًا للفرقة الوطنية؟

1. الهاتف الذكي: من حلم "آبل" إلى كابوس اجتماعي

- اقتناء بأثمان باهظة (وأحيانًا غامضة)

قد تبيع نصف راتبك، أو تتفاوض مع صديقك ليبيع لك هاتفه بالتقسيط، وربما تعتمد على حلول أقل تقليدية مثل "الاقتراض الاستراتيجي" من أحد أفراد العائلة. المهم أن تحصل على جهاز يليق بمقامك الرقمي!
المفارقة؟ بعد كل هذا العناء، يتم استخدامه في نشر نظريات المؤامرة، لا في التعلم أو العمل!

- إدمان الرقمنة: كل دقيقة بثمنها

ما معنى الوقت؟ عند بعض المبحرين، هو تلك المساحة بين تصفح "فيسبوك" وبين إعادة مشاهدة فيديوهات قديمة عن "أسرار لا يريدونك أن تعرفها".
وماذا عن الإنتاجية؟ حسنًا، لِمَ تحتاج إلى الإنتاجية ما دمت قد صنعت "بوست" يزلزل كيان الدولة؟

- المحكمة العليا للإنترنت: حيث الجميع قضاة

التشهير، السب، القذف؟ عادي. فمع هاتف ذكي واتصال بالإنترنت، يتحول أي شخص إلى محامٍ وقاضٍ في آنٍ واحد.
إبداء الرأي في السياسة؟ نعم، بشرط أن يكون مدعومًا بكمية هائلة من الأخبار المفبركة والفيديوهات المجتزأة.
أما النقد؟ فليس نقدًا، بل تراشق إلكتروني ينتهي غالبًا بموجة "بلوك" متبادل.

2. الجانب المضيء: هل هناك أمل؟

رغم أن الجانب التراجيدي هو الأكثر إثارة، إلا أن بعض الموريتانيين استطاعوا أن يجدوا في هذا الجهاز العجيب نافذة حقيقية نحو التعلم والتطور.

- التعلم عبر الإنترنت: الجامعة التي لا تغلق أبوابها

من كان يتوقع أن يصبح هاتفك أستاذك الجامعي؟ نعم، بدلًا من "الكلاشات" على فيسبوك، هناك دورات مجانية في البرمجة، التسويق، وحتى تعلم اللغة الصينية لمن يرغب في تجارة المستقبل.

- البحث عن فرص عمل: من النميمة إلى الإنتاجية

بدلًا من تحليل مشهد الانتخابات من زاوية المقهى، لماذا لا تجرب "فريلانسينغ" وتبدأ في تحقيق دخل حقيقي؟ لكن، مهلاً، يتطلب الأمر أكثر من مجرد كتابة "حقيقة لا يعرفها 99% من الناس"!

- استغلال الوقت بدل إهداره في "معارك دون كيشوتية"

إذا كان لديك ساعتان يوميًا للتصفح، هل تفضل أن تملأها بالنقاشات العقيمة أم بتطوير مهاراتك؟ خيارك يحدد مستقبلك، لا المستقبل السياسي للبلاد كما تظن!

3. الفرقة الوطنية: عندما تتحول حرية التعبير إلى قنبلة موقوتة

- واتساب: من منصة تواصل إلى "وزارة الإعلام السوداء"

يكفي تسجيل صوتي من شخص "مجهول ولكن موثوق"، ليشتعل الجدل حول مؤامرات خفية تهدد البلاد!

- الانتخابات: حيث يصبح الجميع محللين استراتيجيين

منذ اللحظة التي تُعلن فيها فترة الانتخابات، تتحول المنصات الرقمية إلى ساحة معركة، يتصدرها "الخبراء الرقميون" الذين يملكون معلومات أكثر دقة من المخابرات نفسها.

- النسيج الاجتماعي: بين التفكك والشتائم المجانية

لا شيء أسرع في التدمير من منشور يثير حساسيات عرقية أو جهوية. ومع سرعة انتشار المعلومات، يصبح من الصعب التفريق بين الحقيقة والشائعة.

4. ما العمل؟ هل من حلول؟

رغم أن الإنترنت قد يبدو كوحش لا يمكن ترويضه، إلا أن بعض الخطوات قد تجعلنا على الأقل نحسن استخدامه.

- التوعية الرقمية: لأن الجهل لم يعد عذرًا

إذا كنت تمتلك هاتفًا ذكيًا، فمن البديهي أن تمتلك على الأقل الحد الأدنى من الوعي الرقمي. أيّها المبحر الموريتاني، تحقق من مصدر المعلومة قبل أن تصبح ناشرًا معتمدًا للأكاذيب!

- قوانين تردع لا تعتذر

القذف، التحريض، نشر الأخبار الكاذبة؟ يجب أن يكون لهذه الأمور عواقب. فلا حرية تعبير بلا مسؤولية.

- دور "المؤثرين": أكثر من مجرد جمع اللايكات

أنت تمتلك جمهورًا؟ إذاً لديك مسؤولية. فالشهرة الرقمية لا تعني التحريض، بل تعني التأثير الإيجابي... على الأقل في عالم مثالي!

الخاتمة: هاتف ذكي أم سلاح اجتماعي؟

الهاتف الذكي، هذا الجهاز الصغير الذي نحمله جميعًا، قد يكون وسيلة للارتقاء الشخصي أو أداة لنشر الفوضى. المشكلة ليست فيه، بل في مستخدمه. فإما أن نستخدمه بحكمة، أو نتركه يحوّل مجتمعنا إلى مسرح كبير لسوء الفهم والصراعات الافتراضية التي تتحول أحيانًا إلى أزمات حقيقية.
والسؤال الأهم: هل سنصبح مبحرين أذكياء، أم مجرد ركاب في سفينة عائمة في بحر الفوضى الرقمية؟

#زهرة_شنقيط
#تابعونا