من حين لآخر، أرى مفيدا الكتابة عن جدوائية مصنع الألبان بالنعمة من جديد، حين ألمس استعجالا من بعض الكاتبين لخروج المصنع من مرحلة تحديات إعادة التشغيل التي قرب الخروج منها إن شاء الله أو عند ما يستذكر بعضهم ما صرف على المصنع من المال والوقت منذ إنشائه إلى اليوم.
يظهر لي -والله أعلم- أن اللجنة الفنية التي كلفتها الشركة بفحص نهائي لجاهزية المصنع لإعادة التشغيل وإصدار تقرير فني رسمي حول ذلك ستخرج علينا قريبا بنبأ سار، في ظرف أسبوع أو أسبوعين، إن شاء الله (يقصد بالجاهزية أساسا جاهزية خط الحليب طويل المدة المتعطل منذ 2021، لا خط الحليب قصير المدة الجديد الذي أصبح جاهزا منذ يناير الماضي)..
وأدعو الجمهور المهتم إلى التأمل بإخلاص كم يجب أن يكون مبررا الاستثمار في مصنع وتطويع إكراهات وصوله إلى استدامة إنتاجه والصبر على ذلك -ولو عقدا من الزمن-، من أجل إنشاء صناعة ألبان طويلة المدة من الصفر وحتى وصولها إلى مستوى مشرف من المهنية ومن تشغيلها وصيانتها بالاعتماد على خبرة فنية وطنية.
هل نسينا كم لزمنا أن نصرف على الزراعة، لنهنأ اليوم بأرز موريتاني في أسواقنا وبيوتنا، مع فارق تحسن فرص ضبط الحكامة العمومية بأضعاف.
يوجد مصنع الألبان بالنعمة في حوض لبني قدرته دراسة لمكتب أرنست أند يونغ الدولي بحوالي 270 طن يوميا أي ما يقابل 9 أضعاف الطاقة الاسمية للمصنع (30 طن يوميا).
وبالتالي فلا غبار على جدوائية الفكرة من الناحية الفنية.
أما من الناحية الاقتصادية، فالمصنع أداة تنموية لا غنى عنها لمنطقة الشرق الموريتاني، وكونه يتطور إلى منشأة ربحية يعتبر هدفا مهما لكن ثانويا؛ فيجب أن نفرق بين الجدوائية الاقتصادية للمنظومة التي فيها المصنع والجدوائية المالية للمصنع وحده.
لو كان الهدف من المصنع ربحيا محضا لكانت ثمت وسائل شبه سريعة نسبيا لوصوله إلى الربحية، وقد جرب ذلك بالفعل في بداية عمر الشركة من خلال تصنيع منتج خالص من بودرة الحليب وتوزيعه في منطقة المصنع وتصديره إلى دولة مالي المجاورة، وكانت النتيجة المالية واعدة، لكن سرعان ما انتبه الجميع إلى أن تلك النتيجة المالية العاجلة حادت به عن النتيجة الاقتصادية المتوخاة منه وصرفته عن مهمته كقاطرة تنموية في الحوض اللبني في شرق البلاد.
واليوم، يبقى المحدد الرئيس لمستوى تغطية التكاليف أو الربحية المالية للمصنع هو سعر الحليب الطازج الذي يمكن للمصنع الحصول عليه، بعد ضمان حصول المنمين على سعر يؤمن لهم ربحية كافية مع الأخذ بالاعتبار لظروف الإنتاج لديهم في مختلف فصول السنة.
وتسهر أي حكومة، من منطلق حيادها الوظيفي بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين العموميين والخصوصيين، على رعاية الموازنة بين مصالحهم أينما بدأت في التعارض.
ومهما تكن نقطة التوازن في السعر بين الشركة والمنمين، تبقى الجدوائية الاقتصادية لتطوير الحوض اللبني كمنظومة تجمع الشركة والمنمين وغيرهم من الفاعلين الاقتصاديين والأثر التنموي لذلك التطوير أمرا مؤكدا، بل بديهيا.
ويمكن أن يطمئن المنمون إلى أن العرف العالمي يميل لصالح المنمين أكثر منه لصالح منشئات التحويل (المصنع).
ومن أجل ضمان تطوير الحوض اللبني بالحوض الشرقي وفق مقاربة متوازنة، تبنت وزارة التنمية الحيوانية خطة تعتمد على رافعات مهمة منها:
(١) دعم توفر بدائل للتغذية الحيوانية في فترة ما بعد الخريف من خلال تشجيع إقبال المنمين على زراعة الأعلاف عبر تصميم برنامج دعم موجه ل 80 تعاونية، بالتكامل مع وزارة الزراعة والسيادة الغذائية، بدءا من موسم الأمطار القادم نفسه للاستفادة منه نظرا لمحورية توفر الماء في توسع البرنامج؛
(٢) برمجة توسيع مشاريع زراعة الأعلاف في المنطقة وتثمين محاصيلهم مثل مشروع انبيكت لحواش؛
(٣) دعم تحول جمهور المنمين إلى نمط التربية المكثفة عبر تصميم برنامج يدعم إقبالهم عليها، مع تقديم المزارع النموذجية الحالية بتمبدغه والبهكه وأخرى قيد التشييد كمثال.
المختار كاكيه وزير التنمية الحيوانية
#زهرة_شنقيط
#تابعونا