نهاية سياسية مأساوية لأبرز رموز المعارضة التقليدية

حملت الأشهر الأخيرة من مسار المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض بموريتانيا رسائل عدة حول واقع المعارضة الموريتانية، واختلال موازين القوي داخلها لصالح "المعارضين الجدد" أو بقايا الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم البلاد خلال العقود الأخيرة.

 

واظهرت مجمل التغييرات المتتالية في هرم المعارضة الموريتانية غياب أي دور أو تأثير قوي لرموز المعارضة الذين قارعوا الحقبة الطائعية أو الجيل الشبابي الذي ناهض حكم الجيش، وسط صعود لافت للقوى المالية أو السياسية المرتبطة برموز المال والسلطة في "موريتانيا الجديدة".

 

الحقوقي "جابيرا معروفا" كان الأوفر حظا بقيادة المعارضة خلال الأشهر الماضية، بعد أن اضطر رموز التحالف المشكل لمنسقية المعارضة بموريتانيا لتعزيز صفوفه بكشكول من "الحقوقيين" وقادة المركزيات النقابية ذات الطابع المعارض، وبعض الشخصيات المستقلة أو تلك التي لم تجد الإطار الملائم لطموحها فى الوقت الراهن، وعازها الجهد والتخطيط عن بناء تشكلة سياسية مقنعة، ولو من باب ثلاثة نواب للرئيس من مختلفة الفئات والأعراق وإيجار مقر متواضع باحدي مقاطعات العاصمة نواكشوط.

 

ومع "جابيرا معروفا" كانت الكلمة الأبرز خلال الأشهر الأخيرة لوالي العاصمة نواكشوط الأسبق محمد ولد أخليل، الملتحق 2006 بحزب اتحاد قوي التقدم، بعد أن تخلي الحزب عن طابعه الإيديولوجي المحض، واختار قادته فسح المجال لبعض الأطر المنشقين عن الحزب الجمهوري الحاكم سابقا، وخصوصا من المحيط الاجتماعي الضيق لرئيسه المعارض البارز محمد ولد مولود.

 

مجال بدت السيطرة عليه شبه غائبة، والتحكم فيه مفقود، فقد استطاع الرجل الصعود بشكل مبكر للواجهة السياسية داخل الحزب اليساري دون أن يكون ملزما بالاقتناع بفكره أو الانتماء للمدرسة التي كانت تحتكر القرار فيه، وكانت اتفاقية الوقت بدل الضائع التي أبرمها سيدي ولد الشيخ عبد الله ضمنيا مع بعض أحزاب المعارضة، فرصة لمنح الرجل حقيبة وزارة الصحة في الحكومة التي أطاح بها الجيش في انقلابه الشهير 2008.

 

ومع ظهور فرص الحوار مع السلطة خلال الفترة الأخيرة، تولي الحزب منصب الأمين التنفيذي للمنتدى، وهو المنصب الذي استحقه الوزير محمد ولد أخليل بجدارة، بعد أن بات الشخصية الثانية في الحزب بعد رئيسه، لتخرج المعارضة التقليدية (ما قبل 2005) من واجهة المشهد بشكل مهين ومذل للمسار النضالي والأقدمية المعمول بها سابقا.

 

ولم تختلف التشكلة الجديدة عن سابقتها، فقد غابت المعارضة التقليدية أو غيبت، ودفع حزب تواصل الإسلامي بأحد قادته الجدد لمنصب الأمين التنفيذي للمنتدي، وهو النائب عن مقاطعة واد الناقة أحمد ولد السيد خلفا لزميله الشيخان ولد بيب الذي كان مرشحا للمنصب، بينما دفع شتات الشخصيات المستقلة داخل المنتدي بالنقيب السابق للمحامين أحمد سالم ولد بوحبيني، وهو أقرب المحامين من رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو، وأكثرهم صراعا مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي عزف عن استقباله طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة وهو في منصب نقيب الهيئة، بعد أن تحولت إلي واجهة لصراع الرئيس وابن عمه المقيم بالمملكة المغربية.

 

ويعتبر ولد بوحبيني من أكثر المحامين رفضا للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، واندفاعا في مواجهة الكبت الممارس، لكن اكراهات المهنة (المحاماة) قد تدفعه في بعض الأوقات إلي موقف لايتناسب وطموح المحامي الراغب في الرئاسة أو خلق المعارض المتشبث بقيم الحرية والعدالة، بل قد يكون مشينا كما هو حال الموقف الذي تبناه خلال الفترة الأخيرة، حينما تورط في رفع  دعوي قضائية ضد يومية السفير، ليكون أول محامي يرافع من أجل اغلاق صحيفة أو توقيف مديرها منذ الغاء ولد عبد العزيز للقوانين التي كانت تحاصر الإعلاميين خلال العقود الماضية.

 

ويمتلك النقيب أحمد سالم ولد بوحبيني نظريا استقلالية في الرأي، لكنه عمليا يدير ملفات شخصية لأبرز المعارضين للرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، وأخري لأقرب المعارضين منه وهو الرئيس بيجل ولد هميد، وبين طموح السياسي واكراهات المهنة، يواصل ولد بوحبيني – ككل نظرائه- حصد النقاط، مستفيدا من هامشية قوي المعارضة التقليدية، وضعف تخطيطها، رغم الآمال المعلقة عليها، وأحلام التغيير التي تداعب رموزها شبه المغيبين.