الإعلان عن جائزة محمد سعيد ولد همدي بموريتانيا

اعلن رئيس نادي الصحفيين المهتمين بنشر قيم حقوق الإنسان  عن "جائزة سعيد لحريةالتعبير وحقوق البشر"، في نشاط تأبيني أقيم للراحل بمقر نقابة الصحفيين، وسط حضور اعلامي وسياسي كبير.

 

وقال رئيس النادي محمد فاله ولد سيدي ميله  إن الهدف من الجائزة هو إن إلقاء الضوء على مواقف ورهانات الراحل، وتذكير الفاعلين الإجتماعيين والإعلاميين، وكذا الأجيال اللاحقة،بدور محمد سعيد ولد همدي في خدمة الوطن والمجتمع والثقافة يبقى أمانة في أعناقنا..  

 

وهذا نص خطاب ولد سيدي ميله بالندوة التأبينية:

 

السلام عليكم

السيد النقيب،

الســادة الزملاء .. والزميلات،

أيها المناضلون والمناضلات،

أيها المؤبنون الكرام،

 

إننا لا ندري، ونحن نؤبـّـن الفقيد محمد سعيد ولد همدي، هلْ نرثي فيه الصحفي النظيفَ،  المرهَـفَ الحس،السريعَ البديهة؟.. أم نرثي فيه الدبلوماسيّ الكيـّــسَ، اللبيبَ، المحنكَ، السمْحَ، الراجحَ العقل؟.. أم نرثي فيهالمؤرخَ الموضوعيّ، الثاقبَ الذهن، الفاهمَ، الدارسَ، الملمَّ بخبايا الماضي؟.. أم نرثي فيه الحقوقيّ العنيدَ،المنافحَ عن قيـّـم العدالة، الصابرَ على جور الطغاة، المسالمَ في نضالاته، الداعيّ إلى المساواة، المشرئبَّ إلىمستقبل خالٍ من الهزات، لا سيـّــدَ فيه غير القانون؟.. نعم، لقد جمع الفقيدُ خصال الصحفيين والدبلوماسيينوالمؤرخين والحقوقيين، ومضى إلى بارئه وهو لم يخن أبدا أيا من تلك الخصال. هكذا عرفناه، وهكذا شهدت لهالمنابرُ والأحداث والأوراق والأقلام.

 

كان محمد سعيد رجلَ المهمات الصعبة، لذلك ضرب موعدا مع التاريخ في معمعان نضالات الانعتاق، فاختير- بالإجماع- رئيسا لأول ميثاق يوضع في موريتانيا دفاعا عن حقوق المهمشين وصونا لكرامة لحراطين، فلم يكنبالمُـتلكــّــئ ولا الحَـرون، بل أعطى كل وقته وكل طاقاته من أجل إنجاح ذلك المشروع المجتمعي الطموح،فكان صَبُورًا أمام سيل الانتقادات الجارفة، وكان متريثا وسطيا معتدلا أمام دعوات الصدام، وكان عنيدا قويا أماممحاولات شيطنة التيار.

 

والحقيقة أن دور المرحوم لا يقتصر على النشاط الحقوقي المحض، فقد سعى إلى تأسيس مؤسسات تعنى بحقوق الإنسان، وجسد ذلك في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي كان مؤسسها الفعلي وواضع أهدافها ومبادئها لتوائم أرقى المواثيق الدولية، وكانت عهدته تعكس إنسانيته وحياديته واستقلاليته واتساع أفقه، فأمام المخالفين، مهما شذت آراؤهم، ترك الفقيد أثرا تاريخيا كبيرا في كل مواطنيه، ذلك الأثر الذي ظل ويظل لاصقا بأذهان كل من عرفه شخصيا أو شاهد أفعاله أو سمع بمواقفه..

 

وفي كل تلك المحطات؛ استطاع الرجل أن يجمع الآراء المتنافرة، وأن يوحّد الشخصيات المتناقضة، وأن يضمن سلمية المسار من أجل موريتانيا متصالحة مع نفسها، آمنة من ويلات التشرذم.

 

لقد شكل المسارُ الحقوقي خاتمة مِسْـكاً لأعمال ومساعي هذا الطود الذي لم يعرف في حياته غير البذل والعطاء في سبيل بناء دولة موحدة، ضامنة لحقوق الكل، وذابّـة عن حرمة الكل، وهادفة إلى مصالح الكل، دون ميز أو تمييز في العرق أو اللون أو الموقف.

 

إن علينا الآن، ونحن نعيش صدمة فراق أحد أكبر المثقفين عبر كل مفاصل تاريخ موريتانيا، أن ننهل من جدا ولحكمته وزلال اعتداله وأنـْـهُــر قوته وصلابته كلما تعلق الأمر بحقوق المستضعفين. إن علينا أن نظل على الدر بالذي اختطه لنضالاتنا ولحقوقنا ولمستقبلنا، فلا ننزلق، قيدَ أنملة، إلى الصدام، ولا نتراجع، قيد أنملة، عن حقوق المقصيين والمهمشين. هكذا كانت رؤية المغفور له، وهكذا أراد لرفاقه أن يكونوا.

 

إن إلقاء الضوء على مواقف ورهانات الراحل، وتذكير الفاعلين الإجتماعيين والإعلاميين، وكذا الأجيال اللاحقة،بدور محمد سعيد ولد همدي في خدمة الوطن والمجتمع والثقافة يبقى أمانة في أعناقنا..  و وفاء منا لتلك الأمانة التاريخية، فإن نادي الصحفيين المهتمين بنشر قيم حقوق الإنسان يعلن عن "جائزة سعيد لحريةالتعبير وحقوق البشر"، وهي موجهة في الوقت الحالــي للصحفيين فقط، فيما سنعممفي وقت لاحق-الشروط والمجالات وتاريخ التسليم.

هكذا أردنا نخليد روحه الطاهرة بترسيخ فكره الثائر، وتعميم رؤاه النيـّـرة، والكفاح من أجل بلوغ أهدافه الساميةالمتمثلة في العدالة، والمساواة، والوحدة، والإنصاف، وإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس سليمة يَــمَّحيفيها الغبنُ، وتختفي فيها الكراهية، ويسود فيها العدل.. إذن، فلتصعدْ روحه الطاهرة لتعانق مقامات الصدّيقينوالشهداء، ولنتشبث نحن بقيـّـمه وأخلاقه ومراميه من أجل الغد المشرق الذي طالما حَـلـُــمَ به.

 

تغمد الله سعيــدا بواسع رحمته وأسكنه الفردوس الأعلى.