أطبق الصمت على العالم ودخل الضمير الإنساني في غيبوبة أفقدته السمع والبصر بينما كان العالم الجليل "علي أحسن مجاهد"امين عام الجماعة الاسلامية في بنجلادش وأحد كبار العلماء في شبه القارة الهندية يُعلق على حبل المشنقة يوم الجمعة الماضي ( 20 نوفمبر 2015م ) وهو الذي خلف الشهيد البروفيسور عبدالقادر ملا الأمين العام للجماعة الإسلامية السابق الذي أعدمته حكومة " عوامي " العلمانية المتطرفة قبل عامين تقريبا ( مساء الخميس 12/12/2013م ) كما أعدمت السلطات السيد صلاح الدين قادر تشودري البرلماني السابق في حزب بنجلاديش القومي تنفيذا لحكم جائر بالإعدام .
هذه الإعدامات المتقاطرة علي فترات لقادة الجماعة الإسلامية في بنجلاديش تأتي وسط مقصلة من المحاكمات الجائرة بدأت يوم الأربعاء 27 فبراير 2013م لجميع قادة الجماعة الإسلامية وكوادرها أمام ما تسمى "محكمة جرائم الحرب" التي حكمت من قبل بالإعدام على الزعيم الإسلامي دلوار حسين رئيس حزب الجماعة الإسلامية، وفى يناير عام 2013م أُدين زعيم سابق للجماعة الإسلامية، هو البروفيسور عبدالكلام آزاد غيابيا بالإعدام، وينتظر أربعة آخرون تنفيذ أحكام مشابهة.
هؤلاء جميعا حوكموا بتهم مرعليها أكثر من أربعين عاما، وهى - في عرف السلطات - ارتكاب جرائم خلال حرب الاستقلال عام 1971م (انفصال بنجلاديش عن باكستان)، ومحاولة إعاقة استقلال بنجلاديش عن باكستان وإجبار هندوس على اعتناق الإسلام !
والحقيقة أن تلك الأحكام الجائرة جاءت لا لذنب إلا أنهم يقولون ربنا الله ولأن شعبيتهم تنامت بصورة مخيفة للغرب الصليبي والصهاينة والنظام الهندوسي !
في تلك الأجواء المعتمة يعيش الشعب البنجالي محنة كبرى على أيدي حكومة «عوامى» المدعومة من كل القوى المعادية للإسلام، فقد فاجأت هذه الحكومة شعب بنجلاديش المسلم (87% مسلمون) بانقلاب على الدستور ليصبح علمانيّاً بعد حذف كل ما يشير فيه إلى الإسلام من قريب أو بعيد، ولإنجاز ذلك الانقلاب على هوية الأمة ودينها الإسلامي الحنيف، شن النظام العلماني الحاكم حملة شرسة ضد الجماعة الإسلامية ثاني أكبر القوى شعبية في بنجلاديش وذلك لإزاحتها من الطريق وتغييبها عن الساحة حتى ينفذوا ما خططوا له.
فقد قامت قوات الأمن باعتقال كل قادة «الجماعة الإسلامية»، وفى مقدمتهم مؤسسها البروفيسورغلام أعظم الذي توفي في السجن مريضا (92 عاما)، وأميرها الحالي الشيخ «مطيع الرحمن نظامي»، وستة آلاف وخمسمائة من كوادرها؛ لإفساح الطريق أمام تلك الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، والتمكين للفكر العلماني والهندوسي والتغريبي، وقد سبق ذلك عملية تجفيف ممنهجة لمنابع التعليم الإسلامي، وإغلاق العديد من المؤسسات التعليمية والخيرية، وأعلنت وزيرة الخارجية البنجالية صراحة: «إن بنجلاديش دولة علمانية وليست دولة مسلمة»!.
وهكذا يعيد حزب «عوامى» الحاكم تاريخه الملطخ بدماء المسلمين، والمكلل بعار الحرب على الإسلام والهوية الإسلامية.. فقد شنَّ حربا شعواء على الإسلام والعاملين له داخل البلاد خلال فترتي حكمه للبلاد (1971-1975م، ومن 1996-2001م)، حيث أغلق مؤسسات التعليم الإسلامي، وزجَّ بعشرات الآلاف من الشباب خلف القضبان، وقتل عشرات العلماء.
واليوم يعيد الحزب حقبته الدموية السوداء ضد الإسلام والمسلمين، بدعم من الغرب والصهاينة والهندوس في الهند، الذين حرصوا وعملوا على أن تصبح بنجلاديش دولة هندوسية بعد تشجيع انفصالها من قبل عن باكستان.
وقد روت لي السيدة حميراء المودودي كبري أبناء العلامة أبو الأعلي المودودي يرحمه الله والتي كانت تعمل معلمة للغة الإنجليزية في بنجلاديش قبل انفصالها عن باكستان ، روت لي كيف عايشت عملية علمنة الشعب البنجالي المسلم وتحويله إلي الثقافة والفكرالهندوسي بعيدا عن الإسلام وذلك عبر حملة واسعة في كل المجالات التعليمية والثقافية والإعلامية وقد صاحب ذلك عملية شيطنة واسعة لباكستان وغرس كراهيتها في قلوب الجماهير وهو ما مثل شحنا خطيرا للشعب البنجالي ليطالب بالانفصال عن باكستان. وقالت لي السيدة حميراء خلال زيارتي لها قبل سنوات في مدينة لاهور الباكستانية :" قلت لوالدي الذي كان يستمع للرأي الآخر جيدا ، لقد انشغلتم بالفكر والكتابة عن رعاية أهلنا في بنجلاديش حتي باتوا نهبا للهندوسية وقد أقرني والدي يومها علي ما قلت لكن الانفصال كان قد تم " .
إن ما يجري في بنجلاديش ليس بعيدا عما يجري في مصر بعد الانقلاب الدموي.. وليس بعيدا عما يجري في سورية والعراق واليمن وليس بعيدا عما يجري بورما وسريلانكا ولا ما جري من قبل في البوسنة والهرسك قبل عقدين من الزمان ، ولا ما جري للمسلمين في الاتحاد السوفيتي خلال عهود القياصرة وخلال الثورة البلشفية والعهد الشيوعي ولا ما جري خلال تسعينيات القرن الماضي من إبادة للشعب الشيشاني ... إلخ .
حرب على الإسلام والهوية الإسلامية والمسلمين، وهى حرب تزداد ضراوة يوما بعد يوم، ففي الوقت الذى تتواصل فيه حملة التطهير العرقي المصحوبة بمجازر يندى لها جبين الإنسانية ضد المسلمين في بورما (15% من تعداد السكان البالغ 55 مليون نسمة)، تدور حرب إبادة طائفية لا هوادة فيها ضد الشعب السوري وهي امتداد لتلك الحرب الطائفية المجرمة الدائرة في العراق ، وليس بعيدا عما جري في البوسنة قبل عقدين من الزمان .
إنها الحرب على الإسلام التي تتخذ صورا وأشكالا متعددة ويتم تنفيذها بآليات متباينة في كل الميادين وترمي في النهاية لمحاولة اقتلاع الإسلام وإبادة أهله.. لكن الله حافظ دينه {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.