كشف أماكن المفقودين بموريتانيا.. وعد غير ناجز (ملف)

قال وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي أحمد ولد النيني ساعتها فى مؤتمر عقده فى الثامن عشر من مايو 2011  إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كلف قطاع الشؤون الإسلامية بكشف قبور الموريتانيين ، ممن اكتنف الغموض ظروف وفاتهم .

 

وقال ولد النيني في تصريح صحفي بثته الإذاعة الموريتانية الرسمية إن ولد عبد العزيز كلفه "بوضع مخطط طبوغرافي يضمن تبيان وإظهار قبور كل المفقودين الموريتانيين منذ الاستقلال وحتى اليوم".

وقال الوزير إن لجنة ستشرف على إعداد خرائط دقيقة وشاملة تحدد أماكن دفن هؤلاء المفقودين ، وإبراز قبورهم حتى يتسنى لذويهم "زيارتهم والتعرف على قبورهم".

وقال ولد النيني إن هذا العمل يدخل في إطار تكريم الموتى والقيام بحقوقهم المترتبة على الأحياء ، والتخفيف من آلام أفراد أسر هؤلاء المفقودين ، في إشارة إلى ضحايا 16 مارس 1981 وضحايا 1989 من الزنوج الموريتانيين.

 

 

إمام المسجد الجامع بموريتانيا أحمدو ولد لمرابط ولد حبيب الرحمن سارع إلى الإفتاء بجواز كشف قبور الضحايا ممن توفوا في ظروف غامضة من الاستقلال وحتى اليوم ، مضيفا أن ذلك يدخل في إطار تعزيز الوحدة الوطنية ، وتشجيع المصالحة الوطنية.

وطالب إمام المسجد الجامع الفرقاء السياسيين في موريتانيا باعتماد الحوار طريقا للتفاهم وحل القضايا ، مشيرا إلى أن الحوار له قواعد في الإسلام هي قواعد المناظرة التي ينبغي التحلي بها واحترام الجميع لها.

وتناول ولد لمرابط الاضطرابات السياسة الأخيرة في البلد قائلا إن الأساليب السياسية المعمول بها اليوم (مثل الاحتجاجات) منقولة عن غير المسلمين ولا بد من ضبطها بأمور الإسلام حتى تكون مقبولة.

وقال ولد حبيب الرحمن إن الاحتجاجات والمظاهرات إذا كان الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار فأصحابها مخالفون في الإسلام ، في حين إذا كان الهدف منها الوصول إلى مطالب سياسية فلا بد أن تكون هذه المطالب مستحقة ويمكن للدولة تحقيقها وفق الإمام.

وطالب الشيخ أحمدو ولد حبيب الرحمن باعتماد مبدأ الإنصاف في أوقات الاضطراب وذلك بعدم التصعيد ورفع سقف المطالب بالنسبة للمتظاهرين "وبخصوص السلطات يكون الإنصاف منها بأخذ المطالب بعين الاعتبار " .

وقال الإمام أحمدو ولد حبيب الرحمن إن موريتانيا تعيش في نعمة مقارنة بالدول الأخرى ، وتحظى بأوضاع سلمية مقبولة ، وقد أرجع ذلك إلى السياسة الحالية لرئيس الدولة داعيا له ولمعاونيه بالتوفيق.

 

 

 

تركة ثقيلة ووعد غير ناجز

  

ولعل نظرة سريعة على التاريخ السياسي الموريتاني تكشف حجم المتوقع من اللجنة الوزارية الجديدة من خلال استعراض سريع لبعض المحطات التي شهدت عمليات قتل لم يكشف مصير ضحاياها إلى الآن.

 

1976

 

أول الضحايا المجهولة قبورهم بموريتانيا ضمن المخاض السياسي بعد الاستقلال هو قبر الراحل الولي مصطفى زعيم جبهة البوليساريو وأحد أهم قيادات الجبهة الذين تمكنت منهم الحكومة الموريتانية في مواجهتها مع الحركة المطالبة بتحرير الصحراء من الحكمين الموريتاني والمغربي.

ولرمزية الرجل بين قومه ظل لغزا محيرا يتطلع أغلب الصحراويين وبعض الموريتانيين إلى معرفة مكان دفنه خصوصا وأنه قتل في معركة معلومة وسط العاصمة نواكشوط واستعرض من قبل الحكم المدني القائم ساعتها كمحاولة انتقامية من خصوم الداخل وأعداء الخارج قبل أن يدفن في مقبرة مجهولة.

غير أن الباحث الموريتاني سيد أعمر ولد شيخنا يرى أن جثمان الرجل يوجد في المنطقة العسكرية السادسة بتوجنين ، حيث دفن هنالك يوم 9 يونيو 1976 بعد قتله هو ورفيقه الوليد لعروسي قرب بنشاب شمال نواكشوط ، وذلك بعد الهجوم الشهير الذي قاده يوم 8 يونيو على العاصمة نواكشوط ، وهو مالم تنفه قيادة الجيش أو تؤكده حتى الآن .. فهل سيمنح أقارب الرجل فرصة التعرف على مكان دفنه كما وعد الوزير.

 

1979

 

في سنة 1979 كان العسكري النافذ والوزير الأول ساعتها أحمد ولد بوسيف قد استغل طائرة موريتانية متوجها إلى دكار لحضور أحد المؤتمرات الدولية بها ، غير أنها كانت الرحلة الأخيرة في حياة الرجل الذي غادر المشهد وصراع الضباط داخل اللجنة العسكرية حديث رفاقه.

ورغم أن أسباب الوفاة ما تزال مجهولة فإن قبر الرجل سيظل مجهولا بفعل عجز الأطراف أو رفضها الكشف عن الأسباب ومكان الموت في انتظار لجنة يثير تشكيلها أكثر من سؤال؟

 

1981

 

تحكي سجلات العسكريين داخل رفوف المؤسسة العتيدة بموريتانيا أن محكمة عسكرية خاصة شكلت لمحاكمة الخلية المتهمة بتنفيذ انقلاب ضد المقدم محمد خونه ولد هيداله.

في الرابع والعشرين من مارس 1981 كانت المحكمة العسكرية الخاصة قد أخذت ملفات الضحايا وبدأت في محاكمة العسكريين أو ما عرف بخلية كادير ورفاقه وسط تعتيم إعلامي شديد.

كانت القيادة السياسية قد أوزعت إلى المقدم الشيخ ولد بيده ، والرائد صو صمبا ، والنقيب محمد ولد أبيليل ، والملازم أحمد ولد أمبارك بمحاكمة الضباط المتورطين في المحاكمة وبشكل سريع.

لم تمهل المحكمة الضباط والمدنيين فرصة لازمة للدفاع في ظل اعتراف بعضهم بدوره في المحاولة الانقلابية ودفعت بأحكام قاسية كان أبرزها الإعدام لكل من :

1-    المقدم محمد ولد عبد القادر كادير
2-   المقدم أحمد سالم ولد سيدي
3-  الملازم انيانك مصطفى
  4-  الملازم محمد ولد دودو سك

كانت الأحكام قاسية - كما يقول أقارب الضحايا - وكان الرئيس ولد هيداله قد حسم أمره بعدم العفو عن الضباط المتورطين في المحاولة الانقلابية وقرر تنفيذ الإعدام ودفن الضحايا في قبور مجهولة إلى اليوم.

وتقول المصادر إن العسكريين الذين كلفوا بعملية الإعدام طالبوا أحد الأطباء الفرنسيين بتسليم الضابط محمد دودو سك فور خروجه من غرفة العمليات لتنفيذ حكم الإعدام بحقه وهو ما رفضه ، غير أن ضغوطا قوية مورست عليه من قبل السفارة الفرنسية لتسليمه ومن ثم إعدامه مع رفاقه المنتفضين في وجه الحكم العسكري القائم.

نفذ الحكم واختفت الجثث وبقيت المظالم عالقة ، فهل سيكون بمقدور الرئيس ولجنته الوزارية إعادة رسم المشهد من جديد؟.. وهل ستكون اللجنة قادرة بالفعل على تحقيق أعمالها دون إعادة التحقيق مع النافذين الذين تولوا تنفيذ الأحكام وقاموا بدفن الضحايا ؟ ومن سيقبل داخل المؤسسة العسكرية والأمنية أن يتحمل مسؤولية حدث لم تبق غير عواقبه السياسية والأمنية بعد أن تبدلت الأحكام وتغيرت مواقف الجميع؟.

 

1987

 

لا يزال القيادي بحركة أفلام افارا عمر با يتذكر بألم مصير رفاقه بسجن ولاتة الشهير وكيف بلغت الوقاحة بالضابط المشرف على السجن أن صارح معتقليه بأنهم حولوا إلى ولاتة من أجل الموت جوعا أو تحت الضرب كما يقول .
كلمات المشرف على السجن محمد ولد بوفالي قد تكون قاسية لكنها تحفظ للجنة من يمكنه تحديد قبور الضحايا الذين سقطوا بالسجن وهم:

1-  آلاسان عمر با (26 أغسطس 1987)
2-   تن يوسف غي (2 سبتمبر 1987)
3-   المهندس عبد القدوس با   (13 سبتمبر 1987)
4-    مهندس الصحة تفسيرو جيغو (28 سبتمبر 1987)

 

1991

 

في الثامن والعشرين من نوفمبر 1992 كانت المجزرة الأكثر خطورة في تاريخ القوات المسلحة إذ أشرف عدد من ضباط الجيش على إعدام رفاقهم في السلاح من الضباط الزنوج ، قبل أن يلقى بهم في مكان مجهول .

يتذكر الموريتانيون والزنوج منهم بالخصوص أن عددا من ضباط المؤسسة العسكرية كانوا شهود المجزرة وأن بعضهم كان شريكا فيها ، ويدرك أيضا أغلب الموريتانيين أن ضباطا آخرين بعضهم الآن في سلم قيادة الوحدات العسكرية كانوا شهود المجزرة وقد يكونون من المشاركين فيها.

غير أن عائلات الضباط الزنوج ظلت تطالب بكشف مصير أبنائها ، ومحاكمة الجلادين المتورطين في الأزمة ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هل نضجت الظروف لذلك ؟ وهل نواكشوط جادة بالفعل في كشف مصير الضحايا ؟ .. ومن سيعين اللجنة الوزارية غير الجلادين والسجلات المنهوبة من دوائر الجيش والأمن مع كل تغيير بالقوة أو الانتخابات؟ !!

يقول أحد الضباط الموريتانيين في حديث أمام محكمة الجنايات بواد الناقة سنة 2004 إبان محاكمة فرسان التغيير إنه شاهد سيارات الجيش وهي تنقل الضحايا إلى جهة مجهولة بعد إعدامهم من قبل رفاقهم في السلاح ، ويقول الضابط نفسه إن مقبرة غير بعيدة من القاعدة العسكرية قد تكون احتضنت بقايا أجساد مزقها التعذيب داخل زنازين الجيش بعد شهور من الاضطرابات السياسية بموريتانيا :

يستحضر الزنوج بمرارة مع كل عيد للبلاد أسماء جملة من الضباط والجنود لعل أبرزهم :

 1- عبد الله ديكو
2-  صمبا بابا انجاي
 3- صمبا عمار انجاي
 4- ابراهيم جالو
5-  مامادو حمادي سي
6-  امبودج عبد القادر سي
7-  صمب دمبا كوليبالي
 8- دمبا جالو
9-  مامادو صيدو تام
10-  مامادو عمار سي
11-  عبد الرحمن جالو
 12- مامادو عثمان لي
13-  مامادو دمبا سي
 14- الحسن يروصار
15-  أمادو مامادو با
16-  لام تورو
 17- كمرا سليمان
18-  موسى با
19-  عمار خالدو با
20-  أمادو مامادو تام
21-  صمبا صال
 22- عبد الله جالو
23-  الشيخ التيجاني جان
 24- صمبا بوكار سماري
25-  موسى انكيدا
26-  سراجو لو
27-  دمبا عمار سي
28-  آمادو يورو لي
29-  جبريل صمب با.
 

 

1992

 

كانت الانتخابات الرئاسية في موريتانيا قد أعلنت نتائجها بفوز الرئيس العقيد معاوية ولد الطايع ، وكانت مدينة نواذيبو العمالية قد بدأت تأخذ شكلها الغاضب من عمليات تزوير قيل إنها شابت انتخابات الرئاسة ومنعت زعيم المعارضة أحمد ولد داداه من الفوز بانتخابات الرئاسة ، وكانت السلطات الموريتانية تنظر بقلق بالغ إلى الأحداث المتصاعدة داخل المدينة ، بينما كانت الجارة المغرب تنظر بقلق للاضطرابات الواقعة على حدودها.

تقول الروايات المتداولة الآن إن السلطة المركزية بنواكشوط استدعت الوالي سيدي محمد ولد محمد ولد محمد الأمين (شقيق رئيس الحزب الحاكم حاليا) غير أن طائرة الرجل تاهت في فضاء موريتانيا دون العثور لها على أي آثر .

غير أن بعض الروايات الأخرى تشكك في الحادث وترى أن الطائرة تعرضت للقصف بينما كانت متوجهة إلى مدينة أزويرات للاجتماع بالقيادة العسكرية ، وإن الملف تم طيه لحسابات داخلية وأخرى إقليمية إبان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

وفي انتظار استجلاء الموقف ستكون نواكشوط مطالبة بالكشف عن لغز حير كثيرين ، وجر آلاما عميقة لعدد من أسر المدنيين والعسكريين الذين خدموا الدولة والشعب وراحوا ضمن حسابات سياسية ضيقة وجرائم تثبت الأيام أنها لا تسقط بالتقادم.

 

غير أن الوعد الحكومي الذى أطلقه فقيه وأفتى بجوازه عالم، وأكدته لجنة وزارية ظل حبرا على ورق ضمن مشاريع حكومية عديدة اعلنتها الحكومة، وتاهت فى مسارات النسيان بفعل الإهمال وغياب المتابعة.