رغم مضي خمس وخمسين سنة على الاستقلال، ما يزال تاريخ هذا البلد لم يكتب في كثير من جوانبه ،بل ولم يشرع بعد في خلق الظروف الكفيلة بتحقيق تلك المهمة على أكمل وجه.
وسنتعرض من خلال هذا المقال لبعض من أهم المشاكل التي يعانيها الباحث في هذا المجال وتقف حجر عثرة أمام تدوينه للتاريخ الوطني على أكمل وجه: تعترض الباحث في التاريخ الموريتاني مجموعة من العراقيل تجعل إمكانية تدوين هذا التاريخ مهمة صعبة يجب أن تتكاثف الجهود في سبيل إنجازها. بدء بمشكل التحقيب بشكل دقيق يراعي التحولات الكبرى التي مرت بها البلاد عبر تاريخها، رغم محاولات جيدة في الآونة الأخيرة من قبل باحثين معاصرين كالدكتور محمد المختار ولد السعد والدكتور حماه الله ولد السالم الذين حاولا اقتراح خطوط عريضة مؤقتة لتحقيب التاريخ الموريتاني .
مرورا بمشكل التشتت والتناثر حيث توجد أجزاء كبيرة من مصادر تاريخنا مبعثرة عبر مراكز التوثيق في بلدان مختلفة من قارات العالم القديم، في فرنسا ،هلندا،المغرب،ومصر ،تركيا، السنغال ومالي....والجزء الموجود داخل البلاد من مصادر تاريخنا يعاني هو الأخر تبعثرا وتشتتا لا نظير له. وصولا لمشكل اللغة الذي مازال يطرح حاجزا كبيرا أمام الوصول إلى الكثير من مصادرنا التارخية وتوظيفها في إعادة كتابة تاريخنا الوطني، وذلك أن جانب كبير من هذه المصادر مكتوب بلغات اجنبية. وينضاف إلى مشكل اللغة تقصير الباحثين فالباحث في مجال التاريخ الموريتاني يصارع على أكثر من جهة فتارة يصارع ذاته التي ترفض الخضوع لرغبة السلطة، وتارة يصارع مجتمه الذي يحاول فرض فكره ومعارفه المألوفة لديه وقد يظل الباحث المهتم بتدوين تاريخ وطنه مسكونا بالقلق والاضطراب خوفا من الملاحقة أو الأعتداء عليه في أي وقت .
كما أن الدولة أقدم من الباحث فيظل يتأثر بها ويعول عليها. فقد ساهمت الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلاد إلى حد كبير في تعميق واقع التجاوز والإهمال لتاريخنا السياسي المعاصر. فما يزال الحديث عن تاريخ الأنظمة والزعامات السياسية لأسف يتم التعامل معه من قبل البعض انطلاقا من موقفين خاطئين إما التقديس أو التبخيس وكان لهذين الموقفين دورهما المدمر في العبث بتاريخنا السياسي حجبا للحقائق التارخية وحرمانا للأجيال من معرفة ماضيها التارخي بشكل موضوعي.
ونختم هذه المشاكل بمشكل الحساسيات الذي يعتبر أهم عقبة كانت وماتزال تواجه الباحث في مجال التاريخ فهنالك ملفات من بينها أنساب القبائل وأصولها ظلت موضع جدل عند الباحثين ومثار حساسية عند المعنين. . لذا فالحديث عن التاريخ الحديث والمعاصر بأدنى حد من الموضوعية قد يثير حساسية وشبهة لدى البعض فلكل قبيلة وحتى كل جهة منظورها الخاص الذي تصبغ به الأحداث ورواياته التي تعتبرها الحقيقة التي لاغبار عليها ومن الطبيعي هنا ان لاتقبل تلك المجموعات طواعية الطعن في أنسابها.
ويبقى الباحث في هذا المجال يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية .مثل غياب الحواجز الماديةالتي تعين على البحث وعدم توفر المراجع العلمية والبيئية البحثية وعدم اقتناع الباحث بجدوى البحث العلمي والعوائق الابستمولوجية والضغوط السياسية لمنع بعض الأبحاث من النشر وقلة الباحثين، وضعف إنتاجهم بالمقارنة مع البلدان الأخرى.
وعليه وانطلاقا من ماتقدم في المقال .يجب الإهتمام بتراتثنا الحضاري الذي خلفه لنا الأجداد كما يجب أن تتكاثف جهودنا جميعا من سلطة وباحثين وأساتذة ومتخصصين ومثقفين إلى إنتشاله من الضياع، واستغلاله استغلالا علميا بعيدا عن روح الانبهار والتقديس الأعمى للماضي وذلك بأخذ العبرة من تجارب الأجداد تفاديا لأخطائهم واقتباسا بآثارهم انطلاقا من كون الماضي (مرآة ممتدة إلى الحاضر) ختاما نأمل من جميع المعنين بالكتابة التارخية من الباحثين وبالخصوص المؤرخين منهم، إعطاء عناية خاصة لتدوين الماضي الموريتاني بشكل منهجي وموضوعي، بعيدا عن الجمع الساذج لشتات الروايات والأنساب والأسماء المكتوبة لغايات آنية وبواعث ضيقة. كما نأمل أن يتخلص الباحث الموريتاني من الأحكام الخاطئة ليقترب من الأمانة العلمية التي هي أساس البحث العلمي.
بقلم الأستاذة: خوله بنت عبدي سالم
(باحثة في التاريخ الموريتاني)