إغلاق المحاظر ... الطرح المنحرف !

محمد الأمين ولد سيدي مولود

إلى الآن تم اغلاق حوالي 40 محظرة قرآنية في الحوضين من طرف نظام الجنرال، وتقول مصادر متواترة إن مبادرة الاغلاق يحمل وزرها الوزير الأول يحي ولد حدمين انطلاقا من حسابات سياسية محلية مفادها عدم رضى الوزير عن اشراف بعض المحسوبين على "تواصل" على هذه المحاظر أو المعاهد الداعمة لها والممولة لها، وذلك بعد مضايقة التواصليين لطموحات الوزير السياسية محليا خاصة في الانتخابات الأخيرة.

المؤسف والخطير في الأمر ليس حماقة النظام أو وزيره الأول في الجراءة على حرمان آلاف المواطنين في تلك المناطق النائية من الاستفادة من هذه المحاظر، لكن هنالك أبعاد أخرى ينبغي الانتباه لها، ويمكن الاشارة إلى بعضها بإيجاز:

 

ـ استسهال أو تفهم كثيرين لهذه الاجراءات ممن يفترض فيهم حماية الحريات والدفاع عن المواطنين أمام استغلال النفوذ حتى لإغلاق محاظر ومعاهد تدرس القرآن الكريم، دون إعطاء ولا مبرر واحد مقنع، ومن نفس المنطلق يمكن إغلاق كل المؤسسات والهيئات التي لا تعجب النظام، لأن الطابع القرآني لهذه المحاظر المتضررة أكثر حصانة ـ افتراضا ـ من الطابع السياسي أو المدني أو الاقتصادي أو الاجتماعي لأي مؤسسة يمكن استهدافها لاحقا

ـ اختيار المنطقة يطرح أكثر من سؤال، ففي هذه الخطوة إهانة لساكنة تلك المناطق، تواصليين وغير تواصليين، فهي إما اتهام لهم بارتكاب جرائم أو مخالفات لم يفصح النظام عنها، أو احتقارا لهم حيث يمكن اغلاق المؤسسات الموجودة في حيزهم الجغرافي دون سبب، رغم ما يقدمه سكان تلك المناطق من ولاء شبه مطلق، و"زهد" فيما عند الدولة من خدمات لم يعرفوا سوى اسمها من خلال خطابات المسؤولين. إن هذه الاجراءات تؤكد النظرة الدونية التي يمارسها كثير من المسؤولين تجاه تلك المناطق، ومن يعرف تلك المنطقة يعرف سهولة استئساد "المسؤولين" فيها على المواطنين لعدة أسباب لا يسع المقام لبسطها

ـ تبرير الكثيرين ـ أو تفهمهم ـ لإغلاق هذه المحاظر بسبب الاشراف عليها من طرف عناصر محسوبة على "تواصل" أو تابعة له، هو مبرر مؤسف جدا من عدة أوجه: أولها أن "التواصليين" مهما اختلفنا أو اتفقنا معهم جزء من الشعب الموريتاني، جزء منا، أبناؤنا، أخواتنا، إخواننا، أمهاتنا، أعمامنا، رحمنا، لا ينبغي استسهال اقصائهم حتى في البعد التربوي الصرف، بسبب انتماءاتهم السياسية أو الفكرية، ومن المخزي أن يكون أكثر من يبررون هذا التصرف من المحسوبين على "حماة الحرية" و"دعاة الحق في الاختلاف". وإذا كانت الخلفية السياسية أو الحزبية سببا في الاقصاء والحرمان والملاحقة فلماذا لا تلاحق "رابطة العلماء" المؤيدة للنظام والتي زار ممثلوها مقر حزب الحاكم علنا، ويتم اغلاق الكثير من المحاظر والمساجد التي ينتمي مشرفوها إلى "الاتحاد"؟ هذا طرح منحرف لا يليق!

ـ لا تشترط المحاظر والمعاهد في طلابها الانتساب ل"تواصل"، ولا تأخذ منهم ضرائب ومكوسا لصالح "تواصل"، ولا تتكلم لهم أثناء التدريس ولا بعده عن تواصل ... ثم هل قامت هذه المحاظر بعمل غير قانوني وغير شرعي أو أخلاقي؟ يجب توضيح كل ذلك إن كان حصل، وإلا فالأولى اعتبار ما يقوم به النظام جريمة في حق تلك المناطق وسكانها وفي حق الشعب الموريتاني عموما، ورفض هذه الجريمة علنا. أما الكلام عن الترخيص فهو مضحك، حيث إن المحاظر القرآنية في موريتانيا لا تحتاج ترخيصا، ولو طبق ذلك بصرامة لأغلقت منها 90% على الأقل، كما أن المعاهد مرخصة ومكتملة الاجراءات القانونية .

ـ إن هذه الاجراءات ظلم مركب ذي أبعاد خماسية، فهو ظلم لسكان تلك المنطقة بحرمانهم من الاستفادة من معاهد ومحاظر، وظلم لهم بإلزامهم بخيارات سياسية ولائية أو عقابهم على ذلك، وظلم لشباب بذلوا أموالهم لبث العلم في صدور المستفيدين ليعاقبهم نظام أهوج دكاتوري وذلك بناء على خلفياتهم السياسية والفكرية التي لا تعجب هذا النظام، وظلم للشعب الموريتاني كله حيث ظلم جزء ومن نفس المنطلق يمكن ظلم الآخرين، وظلم لطلاب علم لا ينتسبون إلى أي جهة سياسية، أو أغلبيتهم الساحقة على الأقل ... ثم ما هو الجرم من الانتساب إلى الجهات السياسية خاصة المعارضة؟ أي جريمة فوق عقاب الناس بسبب انتماءاتهم في دولة تدعي أنها ديموقراطية؟ ولماذا يستأثر الجنرال ومقربوه بالمليارات والامتيازات والنفوذ المطلق والوظائف السامية، ثم يمنعون الناس حتى من التعليم من قنوات لا يعجب النظامَ ممولوها؟ إن ولد حدمين ومن يدور في فلكه من منظري هذه الاجراءات يسوقون الجنرال إلى مزيد من الأزمات هو والبلد في غنى عنها بسبب أزماته الكثيرة

شكرا ل"تواصل" على تمويل المحاظر والمعاهد القرآنية، وشكرا لهم على ما يبذلون من جهود خيرية وتربوية، وسواء أغلقت المعاهد أو المحاظر أم لم تغلق سيبقى المحسوبون على تواصل من أكثر الناس عطاء في هذا المجال، إن كانت هذه جريمتهم فنعم الجريمة .. وسيرحل النظام طال الزمن أو قصر وتبقى تلك المحاظر والمعاهد، وستفتضح ازدواجية من يدعون الدفاع عن الحريات يوما فيوما، كلما تعلق الأمر بأمور لا يرضون عن من يتولاها حتى ولو كانت الاشراف على تعليم وتعلم القرآن الكريم !