مساهمتي في الحملة على الشيخ الددو (*)

في عتمة الزنزانة ووحشة صمتها الرهيب.. أجلسوك قسرا، وحسبوا أنهم حجبوا الشمس في رابعة النهار، هيهات هيهات.

ألقوا بك في قعر مظلمة بين دخان الحطب وروائح دورات المياه، وتوهموا أنهم آذوك، وما علموا أن الضراء في الله سراء يشكرها أمثالك من الأوابين.

سجنوك – إدمانا منهم على أفيون القمع - وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا لأنفسهم، وقد أساءوا ومالوا ميلا عظيما، ومنعوك المنابر وحلق العلم، وهم يتوهمون أنهم حجبوا النور رأد الضحى، ونسوا أن العسجد بالنار يصقل.
رموك – كما رميت أمك وأم المؤمنين بنت الصديق إفكا وزورا وبهتنا عظيما - بالغلو والتطرف، وقالوا: قتال سفاك دماء، بل هم في أمر مريج.

اتهموك بالتحريض على العنف والإرهاب – وما علموا أن درن مثل هذه الشوائب ينفر من ذكرك – لما خالط منك العظم والدم من اعتدال في الرأي ووسطية في الفكر، وانفتاح.
صحيح أنك ما جاملتهم ولا داهنتهم في قول الحق.. ودوا لو تدهن فيدهنون، وصحيح أنك صدعت بالحق عاليا بين أيديهم، وأنك ما اشرأبت عنقك إلى وثير الكراسي ورفيع المناصب، وما سامرت عليتهم، ولا أفتيتهم على الهوى والهواء.

قالوا عنك – والله حسيبهم - إنك فرقت الناس شيعا في دينهم، وأيقظت الفتنة من منامتها، وأنك أعرضت صفحا عن نهج إمام دار الهجرة، ونحن نراه فيك اليوم يمتحن ويؤذى، كما امتحن أول مرة، فطوبى للأمثلين في ابتلاءاتهم، ولن يخلف الله وعده.

قال قائل منهم، إنك أفتيت بالخراب والدمار.. لكن الخراب والدمار أن نسعى ونصر على تدمير ثروة من الله علينا بها دون الحاجة لرخص التنقيب أو شروط وإكراهات المنقبين، ثروة من العلم والمعرفة والنبل والقيم وهبها الله لنا فنسعى جاهدين لسحقها والنيل منها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره...

يا شيخنا وعالمنا، ورمز "شنقيطيتنا"، نزف إليك - ونحن في حريتنا أشد أسرا وأوثق قيدا، منك في زنزانتك، نتنفس معك أملا في الله كبيرا ووعدا منه كان مفعولا - بشرى علمتها لنا بصبرك وحلمك وعلمك، بشرى قرأنها في خلقك العظيم ونهجك القويم، وهي: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، ولعمر الله إنك لمن المتقين ومن المحسنين، ولا نزكي على الله أحدا.

شيخنا الكريم: قد نكون آذيناك جهلا منا، أو حسدا من عند أنفسنا ونفوس كل أبناء "أبي دؤاد"، وكثير في عصرنا حملة الحشاشة الدؤادية ـ عفا الله عنا وعنهم ـ لكننا نسألك، أنحن أعظم محنة أم أنت؟، نحن "اللذين" وهبنا الله فيك علما لمن أراد النفور من دياجير الجهل، واعتدالا لمن تنكب التطرف والغلو، وذكرا حميدا لمن فاخر بسامقات المجد وحسن الذكر، فنسعى لوأد هذه النعمة وطمس هذه المنة ومحاصرتها، ألسنا في هذا أشد امتحانا من كل أبناء الدنيا؟، أو لسنا فعلا أشد بلوى منك ونحن نؤذيك ونزج بك في غيابات السجن ظلما وعدوانا.

أنحن أشد محنة أم أنت في خلوتك التعبدية ووحدتك التدبرية، تسامر في هزيعك كتاب الله، وتتدبره في غدوتك.
لكننا نثق في الله وفي أن لسانك سيبقى رطبا من الدعاء: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

 

* مقال كتبه الصحفى محمد محمود ولد أبو المعالى 2005 بعد الهجمة السلطوية على الشيخ الددو