المستشار اسحق الكنتي .. استغلال الدين في الجانب الخطأ

"إذا كان هناك موريتاني يقاتل مع النظام (في ليبيا)، فهو الدكتور محمد إسحاق بن الداه بن سيد الأمين بن أحمد الكنتي، وسيقاتل معه لأن تلك قناعته، و لأن العرب تقول: لا يترك الفتى صديقه حتى يموت أو يرى طريقه".

كان هذا العهد مطلع 2011 في مستهل الثورة الليبية بعد إقامة السيد المستشار اسحاق الكنتي في ليبيا عقدين من الزمن كانا كفيلين بجعل سيادته يفي بعهده بعد ما عرفه من صحبة وأخوة ومعروف في الليبيين، حسب ما قال، وكان بإمكان اسحاق أن يبايع النظام الليبي على القتال دون أن ينبش قبور ثلاث من آبائه الأفاضل ليشهدهم على عهد لن يطول الالتزام به، حيث تذكرت خيله مرابطها خلال أيام قليلة إن لم تكن ساعات، وأطلق سيقانه للريح، ولم يسترجع أنفاسه إلا بضواحي نواكشوط!

 

هذا العهد، أو هذه البيعة أردت أن تكون بداية تعليق على تدوينة تفضل بها سعادة الدكتور المستشار حول جملة كتبتها أمس لدعوة الشباب إلى المشاركة في وقفة ضد غلاء الوقود، وذلك من أجل استبيان بعض ملامح شخصية الدكتور خاصة ما يتعلق بالعهد والصدق لأنه أدلى بشهادة عني، ربما يحتاج القراء معرفة مدى ثقة قائلها. وأظن أن نكث العهد والتولي يوم الزحف صفات غير مشجعة لسماع الشهادة من حضرته، ولا من أخذ العلم عنه، خاصة أنه زج بأمور لا علاقة لها بالوقفة، ولا بي مطلقا ... رغم أني فكرت أن لا أعيره السمع وأن آخذ بنصيحة ولد محمدي:

ونكِّبْ عن مقالِ أخي الهُوَيْنى / وعنها فهْي خاسرةُ الصِّفاقِ

لكن الرجل تقوّل علي بما يتضمن التهمة في الدين بصد الناس عن الصلاة، وتجاوزَ الخلاف السياسي، وهو تناقض جليّ مع ما يدعو له .. و"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلِم".

 

في جملتي كتبتُ: "لا يُصلينّ أحد العصر إلاّ بكارفور مدريد"، هذه كل ما في الأمر، ففقدَ الرجل عقله إن كان رجع له بعد فراره من ليبيا، فقال إن هذا استغلال للدين من طرف الإخوان المسلمين (عقدة إسحاق المزمنة) وإنني أدعو الناس لـ"صلاة ما أريد بها وجه الله وإنما أريد بها تكثير سواد حزب سياسي"، وفي هذا الكلام ابتذال وافتئات واجترار وفرية، من عدة أوجه أولها أنني لم أنتم للحزب الذي يقصد مطلقا، ولم أصوت له في حياتي نهائيا، رغم احترامي الكبير له ولقادته، واعتباري إياه من بين الأحزاب الوطنية الجادة والمسؤولة، ثانيا أنني لم أدع الناس للصلاة في دوار كارفور مدريد، بل قصدت وصول الناس عصرا إلى المكان حيث كان موعد الوقفة الخامسة مساء كما حدده منظموها، وشخصيا لم أصل في عين المكان بل المنطقة القريبة فقط، وبالمناسبة من اتصلوا بي من المنظمين قبل 3 أيام لا يوجد من بينهم منتسب واحد لتواصل، والتواصلي الوحيد الذي راسلني بخصوص الوقفة كان قبل توقيتها بساعتين تقريبا، لكن الكنتي مصاب ب"تواصلفوبيا" حادة!

 

لقد كنت أعتبر النقطة الأكثر إيجابية في معارف اسحاق هي مستواه اللغوي العالي، رغم استخدامه السيء لهذه اللغة التي حباه الله بها، بين مدح الدكتاتوريين وسبّ العلماء، ولكن عزائي في لغة الرجل أنها ربما ضاعت بعد أن أوكلها خلال الفترة الأخير لاثنين من الدائرين في فلكه ينشر باسميهما، وهما محدودا المستوى اللغوي، لكنني أستغرب هل نسي اسحاق الكثير من الأمثلة اللغوية شعرا ونثرا، والتي تأتخذ من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة متكأ في الأسلوب لا علاقة له بمعنى النص الأصلي؟!

العلامة الأديب محمد ولد احمد يوره رحمه الله يقول:
يامنْ بها القلبُ مجنون ومكَرونُ / لا تمنعي الوصل إنّ الوصل ماعون
فهل كان ولد أحمد يوره يحذر المتغزل بها من منع القِدْر والدلو والفأس؟ أو الزكاة على رأي آخر؟

وفي عِينيته المبدعة المجددة يقول أديب العلماء وعالم الأدباء الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا، في إطار دعوته للخروج عن القالب المتداول للقريض:

واليوم إما سارق مستوجب / قطع اليمين وحسمها فليقطعِ

فهل كان الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا الكبير يعني قطع اليمين في سرقة مادية مثل مبلغ نقدي أو هاتف جوال أو ما شابه؟؟ أو يقصد سرقة الشعر وسلخه ومسخه ونسخه، إذ استِراقُ الشّعرِ عنَد الشّعراء. أفظَعُ منْ سرِقَةِ البَيْضاء والصّفْراء، وغَيرَتُهُمْ على بَناتِ الأفكارِ، كغيرَتِهِمْ على البَناتِ الأبكار، كما يوضح الحريري.

 

الجانب الإيجابي في تدوينة الكنتي أنه أصبح بعد رحيل القذافي يفرق بين الصلاة التي أريد بها وجه الله والتي ما أريد بها وجه الله، وهذه محمدة لعودته الميمونة السريعة بعد عهده أعلاه بالقتال إلى جانب كتائب القذافي.
يضيف الكنتي في ما كتبه عني أن "من ينفي حد الرجم وحد الردة ويصد الناس عن الصلاة لا يؤتمن على الدين"، وهنا أود أو أوضح مدى تقوّل الرجل عليّ، فمتى نفيتُ حد الردة أو الرجم وأين؟ أعرف أن عقدين من الزمن في مناخ "واطيء" فكريا، وفي بيئة تديجينية مغلقة قد تجعل الرجل ينقل الأفكار جينيا من شخص إلى آخر، وأن يجرّم "قراباتيا" فذلك أسلوب مدرسة الدكتاتوريين التي تخرج منها ومنحته بسرعة البرق من العزيزية إلى قصر العزيز، لكن المشكلة أنني ليست فقيها حتى أخرج عن حكايات الجدات، أو أجتهد أو أفتي. وهنا أريد أن أذكره سعادته أن الرأي الذي يغمز فيه تصدى له الكثير من "الإخوان" وبأساليب أكثر علمية ورزانة مما يكتبه الكنتي، وهذه محمدة أخرى للإخوان، أي القابلية للأخذ والرد، وقدرة بعضهم على نقد مواقف البعض الخ

 

الكنتي ظلمني في ثلاث متفاوتة: الاتهام بصدّ الناس عن الصلاة، ، وإنكار حكم شرعي لا أملك أي مؤهل لإنكاره، وإلحاقي غصبا عني بحزب لم أنتمِ له مطلقا بل لم أصوت له، لقد تقوّل علي، وجاء بكل ذلك في إطار وعظ ديني وإفتاء، وقد قال مالك أيضا :" لا يؤخذ العلم من كذّاب يكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يتهم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وما تفضل به حضرته كذب مُكعّب، مع كامل الاحترام لشخصه الكريم.

 

فكرة أخرى ربما تكون محورية فيما كتبه الكنتي، وهي لبس وقفة الأمس، وأي احتجاج قادم أو مفترض لبوس جهة سياسية أو فكرية معينة، من أجل تقزيمه وتحذير الآخرين منه بوصفهم غير معنيين، وهذه مغالطة مكشوفة، فأول من أطلق نداء الوقفة شباب غير متحزبين، وقد لباه مئات المدونين من مشارب شتى، فمنهم اليساريون الذين نشطوا في التعبئة والحشد، ومنهم القوميون (بعثيون وناصريون) ومنهم الإسلاميون أو التواصليون (مرض الكنتي)، ومنهم بعض شباب لحراطين الحركي، بل حضر هناك بعض المحسوبين أو المحسوبات على الموالاة، وشارك بعض ملاك السيارات، وهذا طبيعي فهي وقفة ضد غلاء الوقود وهو ما يتضرر منه الجميع، ربما باستثناء الكنتي ومن يدور في فلكه!
لقد وقع الكنتي في تناقض جوهري، وهو وقوعه في التعبئة الدينية ضد الوقفة في ثوب يحذر فيه من استغلال الدين في السياسة، ولو كان الكنتي ضد هذا الاستغلال المفترض لسمعناه يكتب عن "صلوات القذافي" و"تطبيقات عزيز" للشريعة، التطبيق1 المتعلق ببيرام، والتطبيق2 المتعلق بولد امخيطير، وهي دعايات سياسية فجة، يضاف إليها المنّ بمسجد لم يبنَ إلى اليوم، وطبعا الاستغلال السيء لإذاعة القرآن والمحظرة الخ

 

الكنتي ليس علمانيا، ولا أدعوه ليكون كذلك، بل لا آخذ ذلك عليه، الكنتي مستغل للدين والثقافة والمواقف والمعارف، وفي الجانب الخطأ، بكل أسف، الكنتي ليس أمينا في نقله، ولا في تحرياته، الكنتي يحدث بما لم يع، ولم يتثبت عنه، الكنتي لا يوثق فيه!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي وله.

محمد الأمين ولد سيدي مولود