شكل ملف اعادة تأهيل الأحياء الشعبية بنواكشوط أبرز ملف دخل به الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز عالم السياسة بعد انقلابه على الرئيس سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله، وسط ترحيب شعبى غير مسبوق بالفكرة بحكم الاستفادة المباشرة لآلاف الأسر من عملية التأهيل بعد عقود من الانتظار.
لكن العملية التى قادها وزير الإسكان اسماعيل ولد بد ولد الشيخ سيديا انتهت إلى طريق شائك ومربك، بفعل حجم الفوضوية التى شهدها القطاع والفساد الذى استشرى فيه، وتشعب المشاريع المنفذة، وانشغال هرم السلطة عن متابعة الملف بأمور أخرى، خصوصا فى الفترة الأخيرة.
تحول الحلم الذى راود الأسر إلى كابوس يعيش أغلب المستفيدين منه فى أكواخ مرعبة، عاجزين عن الرحيل إلى أماكنهم الجديدة، ومحرومين من الإستثمار فى الأماكن القديمة، بفعل فشل الجهاز المكلف بتسيير العملية، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وانزعاج الرئيس بشكل شخصى من حجم القطع الأرضية الممنوحة، بينما لاتزال الوضعية تراوح مكانها فى مجمل أحياء توجنين وبعض أحياء دار النعيم، حيث الفقر والإهمال والتهميش.
غير المجلس الوزاري أشهر مدير تولى العملية، بعد نجاحه فى حسم ملف عرفات بشكل نهائي، لكنه عجز عن ملأ فراغه، فاتحا المجال أمام عدد من صغار اللاعبين وقدر كبير من الإهمال والتحايل فى مجمل المراكز التابعة له.
تفاقمت الأزمة الداخلية فى قطاع الإسكان، وتقاسم مكتب "التأهيل" فى بوحديده ومكتب " الترحيل" فى ملح مشاريع القطاع، وباتوا جسر عبور نحو اليأس، ومصدر ازعاج للمواطنين وواجهة سيئة للقائمين على القطاع، وتحول الأمر من مشروع لإعادة التأهيل ورفع التهميش إلى وسيلة لتبييض الحقوق وانتاج جيل جديد من الأغنياء.
حاول الرئيس أكثر من مرة فهم كواليس اللعبة، لكن مجمل لجان التحقيق والتفتيش ظلت قاصرة أو مقصرة عن سبر أغوار تجارة تشبه فى بعض تفاصيلها عمل "المافيا" ويتمظهر أصحابها بقدر من الصرامة ، لكنها صرامة تنتهى فى كثير من الأحيان إلى انتهازية تزيد من عمق الوجع القائم، ويفتعل "مريدوها" – وهم كثر- المشاكل لإبقاء المشروع دون حسم والتأهيل دون نهاية والترحيل دون أفق..
وعد الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف باتمام العملية قبل نهاية 2012،لكن "مافيا " الإسكان كانت أقوي من وعد الوزير الأول ووعيده، أما الوزير الحالى يحى ولد حدمين، فلم تدخل مشاكل الترحيل أجندته لحد الساعة، فلا زيارة لمكاتب "الألم" بالترحيل وتوجنين، ولا اطلاع ميدانى على واقع المهمشين فيها، ولاوعود رسمية لطمأنة الأهالى، ولاحل فى الأفق لمأساة جيل حكمت عليه برامج الرئيس العشوائية بالشقاء.
تمكن الرئيس من تغيير أربع وزراء خلال فترة وجيزة، لكن بعض المصالح المكلفة بالعملية لم تتغير منذ تعيينها بفعل ماتمتلكه من مفاتيح اللعبة، إنها قادرة بالفعل على كسر شوكة أي وزير أو مستشار أو مدير.. بم ؟ الله أعلم.
قبل يومين فقط كلف الرئيس أحد القضاة بملف الإسكان بعد فترة من تداول الملف بين لجان التفتيش والعدالة والإدارة والأمن والتجار ... لكن هل يمتلك الوزير الجديد رؤية لإصلاح القطاع وتسييره؟ وهل هو بالفعل قادر على تحريك راكد القطاع ومصالحه أم سيسير على خطى أسلافه فى انتظار تسمية وزير آخر؟ وكيف سيتعامل مع الفاعلين فى القطاع من آباطرة الإسكان أم أن قوى تسيير الملف أقوي من سلطة الوزير والرئيس؟
يدرك الجميع أن الملف طال أمده، وأن الفساد فيه مظهر من مظاهر العهد الجديد، وأن تغييب الإداريين ومنح كامل السلطة لبعض الوافدين للمخزن من محاضن الفقر ساهم فى تعزيز الإشكال، وأن الآلاف ينتظرون قرارا يعيد لهم حقوقهم المسلوبة ويمنحهم فرصة العيش فى أماكن جديدة أو السماح لهم بالتمدد فى أحيائهم العشوائية التى باتت اليوم مجرد بؤر للمشاكل ومصدر ازعاج للحاكم والشرطة والوالى، وميدان يختبر عناصر الحرس قدرتهم على التعامل مع الأزمات الطارئة كلما عنت مشكلة أو اندلع شجار جديد.