تمييع التاريخ غرق بلا صريخ/الولي ولد سيدي هيبه

يا كاتب التاريخ مهلا فالمدينة دهرها دهران..... دهر أجنبي مطمئن لا يغير خطوه وكأنه يمشي خلال النوم..... وهناك دهر كامن متلثم يمشي بلا صوت حذار القوم   (تميم البرغوثي)

عن غياب أو على الأقل ضعف مادة التاريخ ـ المقننة، المضبوطة و الموحدة لتنوع هذه البلاد العرقي و الثقافي ـ فليتحدث المهتم و غيره و لا حرج. و عن غياب أثر "المتاحف"، الملتزمة به و تحتضنه بالأمانة العلمية و المصداقية التاريخية المطلوبة و تحتفظ بسجل الأحداث و التحولات تراكمات التجارب و الخصوصيات مادة أثرية ملموسة، مقروءة و ناطقة بلغة العلمية، فلا يبخل أحد بممكن الإفصاح. و عن انعكاس ما هو قائم بحدة  من اضطراب النفسية عند التناول و في المقاصد من لدن المؤرخين و الآكاديمين و المهتمين، على قلة عددهم، فالكلام ذو شجون و التأويل ذو شعب إلى مقاصد من غير ذي وجهة أو خواتم موحدة، إذ للعواطف و المشاعر و النعرات و الحزازات، إرثا غالبا على الحاضر ناشزا على الزمن الآفل المرتكس عند أغلب الأمم العريقة و الدول العتيدة، حضورا يجرى به مداد الكتابة المتعثرة:

 

·        فتتسع به شروخ المتناقضات،

·        و تضيع به موضوعية التناول،

·        و تتحلل منه مقاصد البناء المجسم الذي يحمل و يحتَمل عناصر الوحدة المتكاملة للتاريخ المفخرة الذي تنبني و تترسخ به دولة المواطنة الحديثة التي يعيش فيها الجميع بتساو في الحقوق والواجبات، و تنهض و تقوى المؤسسات و تفصل السلطات، و تقوم الديمقراطية و تداول السلطة فيها بسلمية مطلقة و بقوة وملكية الإرادة الحرة لأفراد الشعب عبر صناديق الاقتراع.     

في البداية كانت ملحمة بناء صرح التاريخ الرسمي للدولة الفتية المنتزعة من براثن الأطماع من كل الجهات مع المستعمر الفرنسي الذي أوعز إلى السيد"سيرج روبير Serge Robert" الذي ما زال حيا و يتمتع بكل قواه العقلية و العلمية يزور موريتانيا من حين لآخر بمزيج من عواطف التعلق و الأبوة و إثراء دنيس روبير شلايك  Denise Robert-Chaleixالتي اهتمت كثيرا بتاريخ موريتانيا القديم. و قد قام الرجل باهتمام شديد و اندفاع الملهم، و في إطار سياسة و توجيهات فرنسا التي بسطت سيطرتها، بالاهتمام نيابة عن أهل البلد الجديد بتاريخهم القديم و نفض الغبار عنه، فاستكشف بالحفر الأركيولوجي و جمع المتيسر القليل آنذاك من السرد الشفهي عن التاريخ و من استقراء و تمحيص نادر المخطوط المحفوظ عند البعض القليل من ورثة ثقافة تكتب كانت قائمة، و استظهرت آثار مدن كانت مدفونة تحت الرمال كآودغست  Aoudagostليستنطق أطلالها و يهدي بعض أسرارها و صورها لعالم التاريخ و يعرض مقتنياتها لمتحف موريتاني وطني قام و أشرف على تأسيه في بناية سيدتها كوريا الشمالية أيام محررها "كيم إل سونغ" هدية للدولة الفتية التي تخطو خطواتها الأولى إلى التأسيس و الإستواء و مجاراة الدول المستكملة البنية.

و هو الاضطراب الذي لا تخطئه أيضا أية عين فاحصة لبالغ تأثير فقر المادة التاريخية على الحاضر و ضعف الأنساق المتوفرة منها في المناهج التعليمية من أسفل الهرم إلى أعلاه، و على حلقات تناوله القليلة التي:

·        لا تسعف الباحث،

·         و لا ترضي الطالب،

·         و لا تعين السياسي،

·         و لا تنهض بمستوى المهتم إلى أي درجة من الرضا ثم لا تلبي لفضول مطلوب.   

و هو المتحف على أهميته و توسطه اهتمامات الشوؤن الثقافية فإنه لم يكن يوما قاسما مشتركا للباحثين في التاريخ و المؤرخين و كأن الذي يحويه في واد و مادة التاريخ من منظورهم في وادي آخر حتى لم يشكل هذا المتحف قطب اهتمام و ملهم الأجيال و محفزهم إلى اللحمة من ناحية، و لا الباحثين و المؤرخين و المهتمين في وادي آخر لا يمتلك مقاسات المتاحف و كأن التاريخ تاريخان لا يلتقيان و لا يبنيان ثقة الحاضر المنوط به صنع الدولة المدنية الحديثة التي تعد خلاصة الفكر البشري الاجتماعي والإداري والسياسي الحديث، التي يحلم بها الجميع كموطن قومي خاص ضمن مكون إقليمي وعالمي عام في تجانس وتناغم عام يحقق الصالح الإنساني المشترك كما أصبح معلوما و متبعا من لدن الأمم الواعية و الدول المكينة و الثابتة الأركان.