الشرق الموريتاني.. الحظ البخيس وملاذ الرئيس

دأبت  الأنظمة  التي تعاقبت  على حكم البلاد  منذ الاستقلال حتى الآن على تجاهل  المناطق الشرقية  وخاصة  مناطق الحوضين ، لتظل مرتعا للجهل  والفقر والتخلف  في تفاوت  واضح  مقارنة  بباقي مناطق  البلد الأخرى  ورغم  كونها  خزانا  بشريا ضخما  وتمتلك مقدرات اقتصادية   زراعية  وحيوانية  وربما  معدنية  كبيرة.

فلم يشفع لها ذلك  لدى  أولي  الأمر  للنظر إليها بعين   سليمة من الحول ، فعقيدة  هؤلاء  القادمين من نواحي مختلفة  أخرى يبدو أنها نشأت على  التميز بين جهات الوطن  ومناطقه  كل حسب  جهته ووجهته  في تراتبية  مقيتة.

فيمكن تصنيف  المناطق الشرقية  طبقا للاهتمامات  التنموية ملدن أصحاب الفخامة في المرتبة الثالثة أو الرابعة   وتتجسد إرادة  حرمان وتهميش وإقصاء  سكان الشرق  التي غدت عرفا  لدى الأنظمة المتتابعة  في  تغييب  هذه المناطق من المخططات  والاستراتيجيات  التنموية  على مر العقود وبالتالي  يتضح  أن إبقاء هذه المناطق   ضعيفة ومتخلفة هي سياسة ممنهجة  قد تكون لها خلفية تاريخية.

 فحرمان هذه المناطق  من  أهم الخدمات  الأساسية   كالطرق  والمستشفيات  والمدارس  والماء الصالح للشرب   بما يتناسب مع حجمها الديمغرفي  وقدراتها  الاقتصادية دليل أكيد على إقصائها  من السياسات التنموية.

ومن سوء حظ  هذه  النواحي  أن  عناصر النخبة التي حالفها الحظ  في الوصول إلى مواقع  متقدمة  في بعض  الحكومات  المتتالية  لم يكونوا على مستوى  تحقيق  آمال  جماهير  مناطقهم، حيث انشغلوا  بجمع ما يمكن جمعه  من أموال  انسجاما  مع تفكير  النظام  الموجود  المجسد  لدولة  بلا ثوابت،  كل شيء فيها ممكن  دون الاهتمام  بمشاغل وهموم  مواطنيهم.

ويسمع الآن كلاما يملأ الآذان  من القيادة الوطنية ومن  أعضاء الحكومة  ومن السياسيين  يتعلق  بتغير  سلوك  النظام الحالي  فيما يخص  إشراك   مناطق الشرق  في السياسات التنموية،   حيث أعلن عن بعض المشاريع التنموية   بولاية الحوض الشرقي   مثل خط  أظهر  الذي سيزود  الحوضين  بالماء الشروب  وشركة  اللحوم والألبان ،لكن يظل  الإنجاز قاصرا  وهزيلا ما لم  يتم دعمه  بإقامة بنية تحية  تحقق إقلاعا اقتصاديا  حقيقا  يسمح لسكان هذه المناطق بالشعور بالانتماء لهذا الوطن المفقود.  

والواقع  هو أن  المناطق الشرقية  تظل بعيدة  عن  اهتمامات  الرئيس  وحكومته  ما لم تكن  هناك  ظروف سياسية  ضاغطة  قد تعكر صفو  الطريق السالكة إلى القصر  الرئاسي   وخاصة  إذا كان  هناك حديث عن تعديل الدستور  وهو حديث ذي شجون، عندها  تشرئب  الأعناق والقلوب  في نفاق غريب نحو  الشرق  مستغلة سذاجة  المواطنين  وتزلف  الطامعين  في استنفار من الدرجة القصوى  لهدف وحيد  هو: تأمين الرئيس   من أي مضايقة.

وفي خضم هذا الجو  المفعم  بالاندفاع  والحماس  يتم  شحن  سكان القرى والأرياف  لا تعرف  مدى صحته  فتثار العصبيات ويركز على القبيلة  بغية تعبئة محكمة  تقتحم  اللهيب والزمهرير  لا يقف في وجهها فقر  ولا ضعف  المهم هو أن يصطف الرجال والنساء، والشيوخ والأطفال  على جنبات الطريق إن كانت هناك طريق  في الهواجر  ببطون جائعة وأكبد  عطشا ينتظرون  مقدم  القائد الملهم  وبعد ساعات يصل الموكب  ويلقى الخطاب  وتجدد الوعود  ويطمأن الرئيس والمرؤوس  على  وعد  ملزم من جانب واحد.

بعدها يعود رئيس الجمهورية  إلى قصره  ويعود أهل القرى إلى قراهم وينتظر  المشرفون على الزيارة   نتائج  عملهم .