هل ينجح الجنرال فى اقتفاء أثر العقيد؟

شكل وصول الرئيس الموريتانى الأسبق معاوية ولد الطايع إلى السلطة 1984 فى انقلاب عسكرى أبيض تحولا فى تاريخ البلد، رغم مرارة النهاية وحدوث اختلالات كبيرة فى مسار الحكم والتدبير.

لكن العقيد القادم من أركان الجيش فرض نسقه على الحياة العامة فى موريتانيا، وأسس لأطول حكم فى تاريخ البلاد، متنقلا بين حكم عسكرى صرف، وعسكرى بلبوس الديمقراطية المعاصرة بعد تحول أقرته اللجنة العسكرية للخلاص الوطنى.

 بعد سنة واحدة كان العقيد معاوية ولد الطايع يخطب أمام الجماهير المزهوة بنظام الجيش من احدى الساحات العامة بمقاطعة النعمه، وكانت نياشيين الضباط بجانبه أبرز مصدر قوة يستمد منه شرعيته، مع وجوه ألفت الأحكام العسكرية والتطبيل لكل حاكم مهما كانت أخطائه.

تحدث الرجل باسهاب عن نقاط جديدة فى مسار النظرية العسكرية لتدبير البلاد، وكانت النقطة التى أسس لما ظل يعرف بنداء النعمه التاريخى، مع سلسلة من الإجراءات التنفيذية السريعة لتحويل الخطاب من كلام موجه للدهماء، إلى أفكار منجزة على الأرض مع قدر من التبذير وسوء التسيير والمبالغة فى المدح والترويج لأفكار لم يفكر بها الرئيس ذاته.

 

كان اهتمام الرئيس بالنساء تحولا فى لنظرة العسكرية للمرأة، وبعد الخطاب دخلت الحكومة أول وزيرة فى تاريخ حكم الجيش، وبعد انتقاده للأمية سير حملات محو الأمية، وتحركت ماكينة الحكم العسكرة باتجاه التأسيس لديمقراطية جديدة عبر انتخابات المجالس المحلية، لكن انحراف الحكم كان سريعا، ونظرة الرئيس للأمور تغيرت بسرعة بعد أحداث 1989 واختطافه من قبل ضباط الجيش وبعض الحركات السرية النشطة فى مجال التعريب.

 

اليوم يقرر رفيق دربه وقائد البلاد فى المرحلة الحالية القيام بخطوة مشابهة، مع اختلاف فى التاريخ والسياق، وسط حالة استنفار غير مسبوقة داخل البلد للإستماع لخطاب "تاريخي" آخر، من رئيس آخر، فى مدينة النعمه ذاته، دون معرفة النقاط المقرر التركيز عليها أو التحول الذى يخطط له الرئيس  عبر مهرجانه المثير فى توقيته وسياقه واختلاف النظرة للرجلين ومدى التأثير فى صناعة الرأي العام بموريتانيا.

 

الأكيد أن أفكار الرئيس محمد ولد عبد العزيز لن تجد طريقها للتنفيذ بالسرعة والجاهزية التى حملت بها أفكار ولد الطايع – على علاتها- فمكانة الرجلين فى النظام السياسى مختلفة، وتعامل المحيط به يختلف عن محيط العقيد الذى يكتفى بالإشارة لتنطلق أمواج المصفقين هائمة على وجهها شرحا واقناعا وتنفيذا فى الكثير من الأحيان.

قد يتحدث الرجل عن تهميش الشباب بإسهاب دون تعيين شاب، وقد يتحدث عن الفساد ومخاطره دون اعتقال مفسد أو الاحتفاظ بآخر داخل سجنه، وقد يتحدث عن الشرق وتهميشه وغياب التوازن داخل الدولة، دون اطلاق مشروع أو اعادة هيكلة مقاطعة أو بناء مركز.. إنه شبيه بالمحلل السياسى فى الكثير من أوقاته .. يشخص الداء بوضوح ويترك التنفيذ للزمن الآتى ...