قال الباحث الموريتاني المتخصص في اللامركزية والأمين العام السابق لبلدية الرياض بالعاصمة نواكشوط، عبدي ولد محمد فال، إن فكرة إنشاء مجالس جهوية تعد فكرة مميزة ستكون لها انعكاسات إيجابية وبشكل مباشر على حياة الناس كما ستساهم في دعم اللامركزية بالبلد.
غير أن ولد محمد فال اعتبر - في مقابلة مع موقع زهرة شنقيط - أن هذا الدور المتوقع للمجالس الجهوية والمفترض أن تقوم به سواء في مجال ترسيخ الديمقراطية، والحريات، أو في مجال التنمية بمختلف أو جهها، رهين بجملة شروط يلزم تحقيقها قبل وعند انطلاق هذه المؤسسة لممارسة مهامها. ومن أهم هذه الشروط:
ـ أن تكون الصلاحيات المحولة للجهة متعلقة بالمشاغل الحقيقة لسكان الجهات؛
ـ أن يتم تحويل الوسائل المادية والمالية والبشرية الضرورية لتنفيذ قرارات المجالس الجهوية؛
ـ أن تكون قرارات المجالس تقريرية وليست استشارية؛
ـ تحقيق الاستقلال المالي لهذه المجالس فهو الضمانة الحقيقة لحرية تصرفاتها.
وأضاف :لابد من توضيح مجالات تدخل المجلس الجهوي ضمن القانون المنظم له حتى لا يكون هنا تداخل بينه وباقي المؤسسات الإدارية الأخرى؛مع مراعاة التفاوت الاقتصادي الحاصل في الجهات إذ من المعلوم أن التقطيع الإداري الحالي بالسنة للإدارة الإقليمية يعود لسنة 1968 عدا ولاية أنواكشوط وإضافة مقاطعة أنبيكت لحواش في ولاية الحوض الشرقي ومقاطعة الشامي بالنسبة لولاية داخلت أنواذيبو ويكرس التقسيم الإداري لسنة 1968 تفاوتا واضحا بين مختلف الولايات فهناك ولايات منجمية ( انشيرى، تيرس) وهناك ولايات شاطئية ( انواكشوط ، انواذيبو) وهناك ولايات زراعية: الزراعة الفيضية والمروية، ورعوية ( اترارزة، كوركول ) وهناك ولايات رعوية بامتياز وتستفيد قليلا من الزراعة الموسمية ( الحوضين ولعصابة) أما باقي الولايات فلا يمكن إعطاؤها صفة محددة لضعف مقوماتها في جميع المجالات هذا التفاوت يمكن للسياسات الجهوية ان تحد منه من خلال توزيع منصف للثروة وتعاون فعال حتى يظل هناك انسجام وتوازن.
وخلص ولد محمد فال للقول " لكي تحقق الجهوية دورها لابد من تعزيز دور البلديات وتقويتها في تواز مع تفعيل دور اللاتمركز بغية تحقيق دينامكية متناغمة تروم تحقيق أهداف مشتركة.
ـ يجب على الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني المشاركة ودعم التوجه نحو إقامة مؤسسات جهوية تنموية.
نظام اللامركزية بموريتانيا
وبحسب الباحث عبدي ولد محمد فال فقد انخرطت موريتانيا في نظام اللامركزية الإدارية بشكل شبه جاد ابتداء من سنة 1986 حيث كانت أول انتخابات بلدية على مستوى عواصم الولايات وذلك في بموجب الأمر القانوني رقم: 86/134 الذي سيتم إلغاؤه بعد ذلك ليحل محله الأمر القانوني رقم: 87/289 بتاريخ 20 اكتوبر 1987 والذي يعتبر القانون المنظم للبلديات في الوقت الحالي وقد تعرض هذا الأمر القانوني للعديد من التعديلات لأهداف مختلفة،كما صدر كم هائل من القوانين والمقررات والقرارات والتعميمات تصب كلها باتجاه تحسين أداء الوحدات المحلية في مجال التنمية القاعدية.
فشل المؤسسات البلدية
وبحسب ولد محمد فال، فإن الجوانب التشريعية المتعلقة باللامركزية حاولت التأسيس لمنظومة قانونية متكاملة سواء تعلق الأمر بالجانب الإداري أو المالي أو المتعلق بتنظيم المصادر البشرية،ورغم ذلك ظلت هذه الجوانب قاصرة ودون المستوى الذي يمكن الوحدات القاعدية من لعب الدور التنموي الموكول لها وقد تجسد هذا القصور في الفشل الذريع الذي ميز أداء المؤسسة البلدية من إنشائها حتى الآن،ولا شك في وجود أسباب بنيوية ساهمت في هذا الفشل يضيق المجال عن ذكرها في هذا المقام.
رؤية تنموية
واعتبر ولد محمد فال أن إعلان الرئيس ولد عبد العزيز عن نيته إحداث مجالس جهوية يتنزل في سياق رؤية سياسية تنموية جديدة تتطلع إلى الرقي باللامركزية الإدارية وتفعيلها بعد ثلاث عقود من الزمن كانت السمة المميزة فيها للوحدات المحلية( البلديات) هي الجمود وضعف المردودية.
وأضاف:"الجهة كوحدة ترابية لا مركزية أسمى من البلدية ستدخل تغييرا جذريا على مستوى التنظيم الترابي القائم حاليا سواء تعلق الأمر بهياكلها التشريعية والتنفيذية أو تعلق الأمر باختصاصاتها ومهامها.وفضلا عن الدور الذي ستقوم به المجالس الجهوية في مجال إعداد وتهيئة المجال والتخطيط والاستصلاح الترابي وتشجيع الاستثمار وتنسيق جهود المتدخلين في مجال التنمية الجهوية، ستشكل الجهة أيضا الفضاء الأكثر تحررا و الأحسن ملاءمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية بحيث تتيح لمختلف الشركاء التدخل وأخذ المبادرة في إطار سياسة شاملة بعيدة ومتوسطة المدى تستثمر فيها كل الجهود والإمكانات تتوخى وضع قواعد قوية ومنسجمة تكون ركائز لإقلاع اقتصادي على مستوى الجهة مما سيمكن في النهاية من قيام أقطاب تنموية متعددة تنتظم جهودها ضمن الجهود العامة للدولة في مجال التنمية. وهو ما سينعكس على حياة للمواطنين وخاصة في مجال توفير وتقريب الخدمات الأساسية".
أساليب اللامركزية الإدارية
ورأى ولد محمد فال اللامركزية الإدارية كأسلوب من أساليب التنظيم الإداري أضحت ظاهرة عالمية تتبناه كافة دول العالم تقريبا على اختلاف أنظمتها الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية وتعود هذه الأهمية التي يحظى بها نظام اللامركزية إلى جملة من الأسباب ذكر من بينها:
أولا: أن أسلوب المركزية المشدد لم يعد ملائما أمام التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية والتي طالت كافة أوجه الحياة.
ثانيا: أن التنظيم الإداري الذي يجمع بين أسلوبي المركزية واللامركزية وبالقدر الذي يتفق مع الظروف الاجتماعية والسياسية لكل دولة على حيدة أمكن له أن يحقق التوازن المنشود في الدولة كوسيلة للحد من مخاطر المركزية وتصحيح مسارها من خلال خلق أشخاص قانونية لا مركزية على المستوى المحلي تمارس سلطة البت في بعض الأمور المتصلة بمصالح المواطنين دون الانسلاخ عن الإطار العام للدولة أو الخروج عن المسار السياسي والقانوني المرسوم لها.
ثالثا: لقد باتت اللامركزية الإدارية أداة ناجعة لتحقيق التنمية ومواجهة التخلف وتركيز أسس الحكم على قواعد ديمقراطية تسمح بمشاركة أوسع وتوزيع عقلاني وفعال للمسؤوليات،من خلال نقل جزء من سلطات القرار من المركز إلى الضاحية تخفيفا للعبء عن الدولة.
وخلص ولد محمد فال إلى القول:" إن الإشكال المركزي الذي قد يؤدي إلى فشل مؤسسة المجلس الجهوي هو نكوص الدولة وتراجعها عن المضي قدوما في بناء هذا الصرح الاقتصادي الكبير، وليست البلديات ببعيدة منا فالفكرة عبقرية وجذابة والنتيجة مخيبة للآمال".