دخل العرب التاريخ قادمين من الصحراء، يقودهم أعظم رجل في تاريخ البشرية باتفاق المؤرخين، وصف نفسه صلوات الله وسلامه عليه بكل تواضع "ما أنا إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في بطحاء مكة"!!
عندما وصل رسل النبي الخاتم إلى ملوك الإمبراطوريات العتيدة في ذلك الزمان لم يكونوا قادرين على فهم الرسالة، كيف لبدو الصحراء أن يهددوا كسرى وقيصر، مزقوا الرسائل، ولكن القوة الأخلاقية العظيمة التي انبثق نورها من غار حراء، كانت على موعد مع التاريخ لتعيد للحضارة الإنسانية شبابها في بضع سنيين على أنقاض المترفين..
بعد ذلك بأربعة قرون كانت مفازات صحراء الملثمين على موعد مع التاريخ، فقيه مالكي مصلح اسمه عبد الله بن ياسين، كانت اجتهاداته مثار سخرية فقهاء عصره، ولكن حرارة الصحراء دائما تنبت الإيمان، بعد عقود كانت جحافل المرابطين على موعد مع التاريخ لتزيد عمر الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس أربعة قرون أخرى بعد أن كادت حصون ملوك الطوائف المترفين أن تسقط تباعا أمام الزحف الصليبي.
إنه قانون التاريخ وقدر الصحراء أن تكون دائما على الموعد عندما يكون الترف مؤذنا بخراب العمران، ذلك هو ما يؤكده ابن خلدون و توينبي وسمير أمين وغيرهم من فلاسفة الحضارة والمؤرخين..
أحفاد المرابطين يعيدون التاريخ ويجمعون العرب تحت خيمتهم المفتوحة، هنا في بلاد شنقيط يؤكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز أن لأبناء الصحراء ثروة من الإيمان والكرم والشجاعة مازالوا قادرين على أن ينفقوا منها في زمان العولمة.
ما حير الكثير من السياسيين ومرضى النفوس من عبدة الأوثان العصرية ولم يفهموه في شخص رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز هو قيم الصحراء التي تقوم على البساطة والصدق والإباء و لا ترهبها التحديات..
ألا تذكرون يوم وقف الرجل في ظرف دقيق ليعلن طرد الكيان الصهيوني الغاصب من أرض المنارة والرباط؟ يومها ظن صغار النفوس أن الأمر مجرد نكتة، ولكن الرجل كان يعني ما يقول..
عندما وقف رئيس الجمهورية أمام بوابة الأليزيه وجراحه لم تندمل، وقال إن الجيش الموريتاني سيحفظ حدود بلاده وحوزته الترابية ولكنه لن ينزلق في مأزق الحرب في مالي، قال المرجفون إنه سيخوض حربا بالوكالة، فتبين أنهم هم من كان يخوض حربا بالوكالة على وطنهم، فكبتوا هنالك وانقلبوا صاغرين.
وحين قرر رئيس الجمهورية أن يكون لموريتانيا مطارها الدولي وتجاوز شروط المانحين باستغلال موارد كانت مهدرة في صفقة فريدة، جن جنون الإقطاعيين الذين تعودوا على أن القطع الأرضية دولة بينهم، وشنوا حملة شعواء على الإنجاز الكبير، ولما دخل بعضهم مدرجات الصرح الكبير ترى أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت..
ويوم أمس قرر رئيس الجمهورية بكل بساطة أن تكون موريتانيا في القمة وبين الكبار، وتسلم مشعل الاتحاد الإفريقي طيلة عام كامل يقود الدبلوماسية الإفريقية بنجاح في حوارها مع أوروبا وأمريكا، فقال المرجفون ما قالوا وكبتوا كما كبت الذين من قبلهم..
ولما جاء دور بلاد شنقيط في قيادة الجامعة العربية، قبل رئيس الجمهورية التحدي وقال سنستقبلهم ولو تحت خيمة، فقام الذين مردوا على النفاق وقالوا لا تنفروا في الحر والمطر، ولكن الإرادة الصارمة والنية الصادقة لابن الصحراء تغلبت على الإرجاف والإسفاف، وتألقت موريتانيا في القمة وكان حقا علينا نصر المؤمنين.
للذين سخروا من البادية والصحراء وتحدثوا عن لعنة الجغرافيا ذات يوم، نقول لهم إن الصحراء تحمل عبق التاريخ وسنن التاريخ لا تتغير؛ من الصحراء جاء الأنبياء والعظماء، والصحراء رمز الإباء والكبرياء، ومع العودة لقيم البادية ستهزمون الأعداء، وتتغلبون على الفتنة العمياء، التي جعلت خير أمة مجرد فسيفساء.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) صدق الله العظيم