لقد أعطي الشعب التركي بدحره الانقلاب ليلة 15 يوليو 2016 درسا رائعا للعالم كله في الدفاع عن حقوقه وديموقراطيته، والحفاظ علي مشروعه الحضاري، والتمسك بقيادته الرشيدة، وعلي رأسها قائد هذه النهضة الفريدة، الرئيس رجب طيب أوردغان، كبير الهمة والشان، ورمز العزة و العنفوان.
سيدي الرئيس لم يكن غريبا أن يستهدفوك أويحسدوك، فكل ذي نعمة محسود، فما بالك إذا كان حاسدوك هم اليهود، عبدة الطاغوت، وأحفاد القرود، فهل تراهم يغفرون لك أنك قائد مسلم، لأمة عظيمة كانت - إلي عهد قريب – تتربع علي عرش الخلافة الإسلامية، أم تراهم ينسون أن اسم جيشك الجيش المحمدي بل وجيش محمد الذي سيعود، وأن من بين أجدادك وأسلافك محمد الفاتح صاحب البشارة المحمدية وفاتح القسطنطينية، وأن الله قد فتح علي يديك وأعطاك الترياق الذي شفيت به ذلك "الرجل المريض" فنهض من كبوته، وأبدع في نهضته، وطاول بهامته شعوب العالم المتحضر.
فهيهات..هيهات..أن يتركوك لشأنك، وقد رفعت من شأن بلادك، و قفزت بها من المرتبة 111 إلى المرتبة 15 ضمن الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم، وضاعفت أضعافا مضاعفة ناتجها القومي، ومتوسط دخل الفرد فيها، وجعلتها من أكثر مناطق العالم جذبا للسياحة و الاستثمار، لما تنعم به من تقدم و استقرار.
فأصبحت تقرض صندوق النقد الدولي خمسة مليار دولار بعد أن كانت مدينة له، و تراجع مستوى البطالة فيها إلى أقل من 3% بعد أن كان أكثر من 33%.
و تحولت تركيا في عهدك الميمون إلى دولة صناعية متطورة تعد اليوم من أبرز المنتجين للمنتجات الزراعية، وصناعات النسيج والسيارات و السفن و معدات النقل ومواد البناء والالكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية... إلي غير ذلك كثير.
كل هذا بالإضافة إلي مساعيك الجبارة لحل مشاكل تركيا الداخلية مع الأكراد والعلمانية واللغات الوطنية والحجاب، ومشاكلها الخارجية كالمشكلة القبرصية والمشكلة التاريخية مع الأرمن، ومصالحة تركيا مع ذاتها ومع تاريخها بعودتها إلي حضن أمتها الإسلامية، وما نجم عن ذلك من دفاع مستميت في المحافل الدولية عن مشاكل المسلمين من الروهنغيا إلي الصومال إلي القضية الفلسطينية وخاصة الأخوة الأشقاء المحاصرين في غزة أثناء الحروب البربرية التي شنتها عليهم إسرائيل بمساعدة من أمريكا والدول الغربية، ومباركة من بعض الأنظمة العربية العميلة.
وليس صلحك الأخير مع الصهاينة – الذي انتقده الكثيرون – إلا تحيزا لقتال بدليل سعيك الدؤوب - منذ سفينة مرمرة - لكسر الحصار الظالم علي غزة أو علي الأقل التخفيف من وطأته بتوفير الماء والكهرباء، وتوزيع الغداء و الدواء، علي سكانها الأبرياء.
سيدي الرئيس لن ينسي الصهاينة وأذنابهم مواقفك الجريئة ضدهم منذ - مؤتمر دافوس - حيث أفحمت كبير شياطينهم شيمون بيريز علي الهواء مباشرة وخرجت منتصب القامة مرفوع الهامة، ولن ينسوا مواقفك المشرفة من ثورات الشعوب العربية في مصر و سوريا واليمن وليبيا وتونس حين وقفت إلي جانب الحق، وكنت نصيرا للمظلومين والمستضعفين في الأرض، كما يملي عليك دينك وضميرك غير آبه بما قد تدفعه من ثمن اقتصادي وسياسي لعل أخره هده المحاولة الانقلابية الفاشلة.
سيدي الرئيس هل نسيتم تصريح رئيسة وزراء إسرائيل السابقة "اتسيبي ليفني" حين قالت إنكم وأمير قطر الأمير حمد آل ثاني والرئيس المصري محمد مرسي فك الله أسره، وعظم أجره، ستدفعون الثمن غاليا بعد وقفتكم المشرفة مع أهالي غزة أثناء حرب إسرائيل عليهم في نوفمبر 2012، ومند ذلك التاريخ وهم يخططون ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
سيدي الرئيس لقد فتحتم حدود تركيا لملايين المشردين السوريين حين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وولوا هاربين من براميل الموت التي يسقطها عليهم "نيرون دمشق" بشار الأسد فأحرقت البلد، وأهلكت النسل والولد، فوجدوا عندكم الملاذ الآمن واستقبلتموهم وأحسنتم إليهم والله لا يضيع أجر المحسنين وهو القائل جل من قائل ( وما علي المحسنين من سبيل).
لقد أعجبني موقف رئيس وزرائك السابق داوود أوغلو في مقابلة مع قناة الجزيرة حين قال: نحن نستضيف أكثر من 2 مليون لاجئ سوري وقد أنفقنا عليهم حتى الآن 10 مليار دولار أمريكي ونحن مستعدون لتقديم المزيد تأسيا بما فعله الأنصار مع المهاجرين بعد مؤاخاة الرسول الكريم بينهم في المدينة المنورة،كما استضفتم كذلك آلاف الطلبة والأساتذة الجامعيين وبعض القادة السياسيين المصريين ممن تمكنوا من النجاة من بطش فرعون القاهرة.
فكأني بهؤلاء و أولئك: ملايين السوريين، وآلاف المصريين، وغيرهم من المسلمين، قد رفعوا أكف الضراعة لله العلي القدير في ليلة الانقلاب، لينصرك الله علي خصومك، تماما كما فعلت أم المؤمنين أم سلمة وجعفر الطيار والزبير بن العوام وغيرهم من المهاجرين الأوائل إلي الحبشة، عندما دعوا الله مخلصين له الدين لينصر النجاشي علي عدوه، بعد أن آواهم وأكرمهم وأحسن مثواهم.
سيدي الرئيس أوردغان، لقد برهنت للعالم كله، بنهجك القويم، وفهمك السليم، أن الإسلام المعتدل يبني ولا يهدم، يعفو ولا يظلم، ومنفتح علي غيره، فأنت أخذت من الحضارة الغربية روحها وجوهرها، وتركت لغيرك زخرفها وقشورها، فطفق البعض من أبناء أمتك الإسلامية يتطاولون في البنيان، بينما استثمرت أنت في بناء الإنسان، ذلك الإنسان الذي هب لنصرتك، واستجاب لدعوتك حين أطلقتها ليلة الانقلاب، فنزل الأتراك دفاعا عن حريتهم ومكتسباتهم الوطنية، وتصدوا كالأسود الضارية، وبصدور عارية، للدبابات والأسلحة النارية، إلي أن عادت المياه إلي مجاريها، وردت القوس لباريها، وانتصرت الأمة التركية شعبا ورئيسا وحكومة ومعارضة وإعلام، في ثورة رائعة لن تستطيع محوها الأيام، وستبقي عبر العصور والأزمان، رمزا للكرامة والعزة والعنفوان.
فتحية لكم وألف تحية...
وهنيئا لكم بنصركم وثورتكم...
ولا قرت أعين الجبناء...