إرهاصات الدراما بين غياب الاعتراف و ضعف الاحتراف

الولي ولد سيدي هيبه

تحية لرواد إرهاصات الدراما الموريتانية الذين استزرعوها من علاقة مستحيلة لكنها شرعية بين حاجة الواقع الملحة و غياب أدنى مقومات و أسباب النجاح ثم أشرفوا على ولادتها القيصرية ليحققوا فتحا خارقا بالإرادة وحدها دون الوسائل و الصبر دون التشجيع و المثابرة دون الرعاية و الإبداع دون التكوين و.. بالعبور على الجمر دون انتظار قطار الأوهام في محطات الإحباط الثقافي و الفكري و الابداعي.

الدراما هي نوع من النصوص الأدبية التي تؤدى تمثيلا على خشبة المسرح أو في استوديوهات السينما أو منصات التلفزيون أو عبر أثير الإذاعة. و قد اشتقت الكلمة من اللغة الاغريقية القديمة وتعني "العمل".

وتأتي أيضاً بمعنى التناقض حيث أنها كلمة مأخوذة من عدة أسماء لكتاب وفلاسفة مشهورين، إذ يجتمع في هذا النوع من التمثيل مزيج من الهزل والجد والواقع والخوف والحزن.
و من المعلوم أيضا أن القصص الدرامية و تراجيديا تهتم غالبا بالتفاعل الإنساني وكثيرا ما يصاحبها الغناء والموسيقى الأمر الذي يدخل ضمن تعريف فن الأوبرا. وتنقسم الدراما في المفهوم الإغريقي إلى ثلاثة أجزاء هي:
·    الملهاة (الكوميدياLa comédie ) وهو الأداء التمثيلي الذي يؤدي للضحك ممثلاً بالقناع الأبيض الضاحك،
·    والمأساة (La tragédie التراجيديا) عكس الملهاة  أي الكوميديا وهو الأداء التمثيلي الذي يؤدي إلى الحزن ويمثله القناع الأسود الباكي،
·   والثالث الذي هو نوع خاص من الدراما يقع بين الاثنين حيث يعتمد قصص الأساطير ويعرف باسم  La Tragicomédie) التراجيكوميدي) ويتناول أشخاصها الأسطورية ببعض من السخرية. وحديثاً بات من المكن إدراج بعض أنواع (الكوميديا السوداء La comédie noire) تحت هذا المسمى.

في موريتانيا القريبة العهد بالبداوة تتقاسم  تجربة الدراما - المولودة بالعملية القيصرية و لم تتجاوز بعد سن الفطام - حَالَتَا ضعف أولاهما شح وسائل الإنتاج المقرون بغياب الحرفية الشاملة تمثيلا و ضبطا و حبكا و إخراجا، و ثانيهما إن لم يكن ضعف فغياب الرعاية الاهتمام و المصاحبة و التشجيع من كامل الجهات الرسمية و المدنية و الشعبوية رغم عظيم إصرار و فريد عزم و صبر القائمين عليها كتابا  و ممثلين و ساهرين على صناعتها و إخراجها و إبرازها إلى حيز وجود كل ملامحه تحمل علامات النكران الصارخة و تتعمد سد الأبواب عن دعمها بحجج واهية و تعليلات مبتذلة تلبس في معظمها لبوس التخلف و بعض ظلامية الماضي. حقيقة لم تمنع على مرارتها وصول الرواد إلى فرض حالة من الوجود المضمخ بالقبول الذي و إن بدأ ساخرا و مستهجنا حتى إلا أن قوة المعالجات و جهد الممثلين و توظيف المتوفر الضعيف من الوسائل المتواضعة بأكبر قدر من الذكاء و حسن التسيير و خلق البدائل من المتاح القليل في الإضاءة و التباين و الظلال و الزوايا و الديكور و الخلفيات و الملامح  و قوة الحوارية المبنية بأكبر قدر من الحصافة و ملامسة شغاف النفوس، كل هؤلاء غيروا النظرة و لفتوا النظر إلى هذا الحراك الجديد بنكهة محلية حول مواضيع تحمل أختام الخصوصية و التميز.

تلك إذا، و من زاوية يفرضها التحضر في سياق المدنية، حالة جديدة لطرد أشباح البداوة الجلف خلقها و فرضها على حداثتها النسبية و تواضعها هؤلاء المصارعين في حلبة لا أريكة على أرضيتها القاسية و لا حواجز تقي من السقوط خارجها، فوضعوا السلطات و المجتمع المدني المعني بالحراك الثقافي قبل أية جهة أخرى و أصحاب الأعمال و المال و المحسوبين على الثقافة و الفكر أمام مسؤولياتهم في حتمية رفع صناعة دراما محلية حتى تحمل و تعالج هموم تحول المجتمع برفع مستوى الوعي و التمثيل و  تحقيق الاكتفاء الذاتي من دراما على غرار معظم بلدان العالم، دراما تشبع رغبات المواطنين و تساهم في دفعهم إلى الأمام و الالتحام بحركة الدراما العالمية التي حولت مجتمعات من البدائية و التخلف و حررتهم من الخرافة و الاستسلام للقدرية السلبية مع الحفاظ على الثوابت و الخصوصيات و القدرة على الإسهام في رفع تحديات العولمة.

صحيح أن ما تحقق على بعده بمسافة سنين ضوئية مما يجري تحت وطأة الغزو الدافق للدراما الأجنبية في بيئة هذه البلاد المنغلقة عن الفنون كلها و لحداثة عهدها بالمدنية و التحضر و استعصائها على الخروج من عباءة الماضي المطبوعة بخشونة البداوة الزاهدة في الجمال و رهافة الحس لشظف العيش و تعسره  يعتبر فتحا كبيرا و خرقا عظيما لجدار التخلف السميك عن قواعد هذه المدنية التي منها المسرح أبو الفنون و السينما مرآة الإنسانية و الفنون التشكيلة و الموسقى لتشذيب و تهذيب النفوس و رفعها فوق مسلكيات البهيمية. و هو الفتح الاستثنائي و إن تحقق بالإرادة وحدها دون الوسائل و بالصبر دون التشجيع و الرعاية و بالإبداع دون التكوين و بالعبور على الجمر دون انتظار قطار الأوهام في محطات الإحباط.

و لو قدر لهذه المغامرة - التي تدخل في صميم البحث عن تحول تتطلبه المرحلة - أن تقدمت أشواطا و وأرست القواعد لإنجاز دراما ذاتية، فإنه عندئذ يكون لزاما أن ترى النور لترافقها حركة نقدية و أخرى رقابية لغربلة كل إنتاج يتم إنجازه من عوامل المساس بالخصوصية في جميع دعائمها الوضاءة و الثوابت المعتقدية و الوطنية و أن يخضع كل ما سوى ذلك للنقد الفاحص حتى تصقل التجربة و تستوعب ضرورات التقدم و التحول الانسيابي السلس إلى التحضر و الرفاه و رقي الذائقة.