أبو نزار يكتب: الشيخ سليم.. علوٌّ في الحياة وفي الممات (تأبين)

عرفتك - أيها الظاعن المُغذّ - قبل عشرين وثماني حِجج وأنت فتى تصّعد في سماء الجِد مضمخاً بعرقه وعبقه، عاليَ الهمة باسق الهامة ناشئا في طاعة ربك، ثم نمى إلي - على نأي الدار - صيتُك المدوي طلّاعا لأنجد المجد الأثيل في فلوات منازلة الجبت والطاغوت، وسمعت صوتك العذب ينساب نذيرا وبشيرا في سُحُب أنداء الأثير، مجلّيا في حلبات الذين {يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله}.

ثم كان من فضل الله علي أن استأثرت بصحابتك ليالي وأياما سمحت بها بأخرة غفلاتُ الأيام، وما كنت أعلم أن الرواحل أُسرِجت وأزف الترحل، وأن خُطّاف المنون مكث غير بعيد - كصِلٍّ لادغ - رصَداً لك في دروب الغيوب.

ثم غادرتَ.. وها هو مجتمع الدعوة المباركة وركب الإصلاح الراشد يسحّان سجال دمعهما مدرارا على جدثك الطاهر في مرقدك الأزهر وجوارك الأطهر، جوار بقيع طابة الذي شدّ ما فيه سعيتَ وإليه آويت إلى أن به ارتقيت {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}.

ذاك لنا عزاء عظيم ولك رثاء كريم، وعزاء لنا ثانٍ حسبانُنا الاهتمامَ المنداح الدوائر أعراقا وآفاقا بفاجعة رحيلك من أشراط رضوان الله عنك، فمن ثمرات محبته لعبده أن "يوضَع له القبول في الأرض"، وقد كان لك من ذاك ما أدهش العِيان وأثلج الصدر وأربى على الحصر!!

إي وربي.. سنفقد برحيلك - سيدي أبا عبد الله - حلما وأناة يحبهما الله في عباده المؤمنين، وظرفا ولطفا يأنس بهما خلطاؤك وجلساؤك من كل المشارب والمسارب، وعلما وفهما يستضيء منهما بقبسٍ أنَسَةُ نور معارفك، ويرتوي بهما عسلا ناطفاً وماءً فراتا عفاةُ صيّب فنونك، وبذلا وإحسانا تعوّدهما من وَكْفِ كفّك القانعُ والمعترُّ عند مَحْل السنين، وطهرَ لسان وزكاءَ نفس عُلما عنك غيباً ومحضراً.

بلى والله.. سنفقد برحيلك شيخنا وجنات نضرات طالما سقتها مدامع الخشوع في محاريب التبتل والقنوت رغبا ورهباً، وسيعوزنا الإنصات بإخبات لمواعظ بالغة تُغني نُذُرُها {من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.

فجدير بنا الآن - وقد أشرعتَ سفين الغيبة بلا أوبة - أن نرفع العقيرة منشدين رائعة الأنباري في ابن مقلة:

علو في الحياة وفي الممات

لحق أنت إحدى المعجزات

وما بين لابتيها أحق منا بمقالة بثنة في جميلها:

سواء علينا يا جميل بن معمر

إذا متَّ بأساءُ الحــــياة ولينها

تلك قصتي معك.. وهذه شهادتي فيك؛ فلا زالت دُلّحُ الرحموتِ الهُتَّنُ تجود مضجعك الميمون بالغدو والآصال!!