راس باث: ملأ دنيا باماكو وشغل ناسها

محمد يوسف باتيلي أو "راس باث" صحفي ملأ دنيا باماكو وشغل ناسها، يساري التوجه، "مارلي" الهوى، يؤثر الاستقصاء، وتستهويه ما ورائيات الأحداث، على إثر توقيفه أعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وسالت دماء الماليين، بعدما فقدوا "دليلهم".

انتفضت العاصمة باماكو على حين غرة من أهلها، ساعات بعد توقيفه، ونشره منشورا على صفحته على الفيسبوك بأن برنامجه الأسبوعي ذائع الصيت "الدليل" أو "CARTES SUR TABLE" قد يتأخر عن موعده، وقد لا يبث أبدا، بعد ما اقتادته عناصر من الأمن، وهو في طريقه إلى المحطة الإذاعية "MALIBA FM"، حيث يعمل، وحولوا وجهته إلى مفوضية الشرطة.

خرجت باماكو برجالها، ونسائها وأطفالها، جاءوا خفافا وثقالا جميعهم لمؤزرة راس، وإعلان رفضهم لتوقيفه، فتكميم الأفواه يقولون قد ولى عهده إلى غير رجعة.

غص شارع الشيخ زايد في باماكو بمناهضي اعتقال باتيلي، واقتحم عشرات الشباب الذين يجدون في محمد يوسف الأسوة الحسنة، المحكمة في صباح اليوم الذي كان مرتقبا أن يمثل فيه للمحاكمة.

يحظى الأيقونة باث كما يلقبه بعض الكتاب الماليين، بجمهور واسع، قد لا يحظى به كبار ساسة البلد المثخن بجراحات عديدة، ويواجه تحديات أمنية وسياسية، واجتماعية كثيرة.

اشتهر يوسف باتيلي بالجرأة في الطرح والنقاش، والانتقاد اللاذع، المشفوع بالأدلة والوثائق، بأسلوب يمزج بين قوة الحجة، وبساطة الأسلوب، يتوكأ في ذلك على رصيد من الشعر، والثقافة الشعبية، وقد مكنه ذلك من خلق تأثير كبير في نفوس مستمعيه الكثر.

بزغ نجم باتيلي بعد الإطاحة بالرئيس آمادو توماني توري المطاح به عبر انقلاب عسكري شهر مارس عام 2012، بعد عقد من التربع على عرش رئاسة وصلها عن طريق انقلاب عسكري، الوسيلة الأكثر شيوعا في إفريقيا للوصول إلى الحكم.

ويبدو أن حكومة ابراهيم بوبكر كيتا المصارعة من أجل البقاء، ضاقت ذرعا من انتقادات باث اللاذعة، وكشفه للحقيقة، فانهارت أمامه، لأنه يصيب مكمن الجرح، والحكومات الضعيفة عادة تخار أمام أتفه الأسباب، لأنها تخشى أن تؤتى منه، خصوصا حينما تكون ضالعة في الفساد، ويحيط بها المفسدون من كل جانب، وهي صفات ملازمة لمعظم حكام إفريقيا، المنقلب منهم، والمنتخب.  

ويعتبر العديدون راس باث امتدادا لفصيل يساري شبابي إفريقي جديد ظهر بقوة خلال السنوات الأخيرة، واجتاح عددا من عواصم إفريقيا الغربية، يمتلك آليات تأثير قوية عصرية، ويضم في صفوفه نخبا في مجالات الحقوق والإعلام، والثقافة، وفي السياسة أيضا.

يتحدث باتيلي باسم التجمع من أجل الجمهورية، الذي يشكل شوكة في حلق حكومة بوبكر كيتا، وكثيرا ما يحتج ضدها في عديد قضايا الفساد التي يتم الكشف عنها من حين لآخر، وهو ربما ما ضاعف من حجم قوة تأثير راس على الحكومة، وأضحت تبحث عن مسوغ يبرر إسكات صوته، ولو لبعض الوقت.

لكن توقيف باث ربما نفعه أكثر مما ضره، من حيث لم تشعر حكومة كيتا، فقد أسهم في الرفع من مستوى شهرته على المستويين الداخلي والخارجي، وقد يدفعه ما حصل إلى التمسك بنهجه وأسلوبه بعد الإفراج عنه، فمثل أصواته يصعب إسكاتها، وقد تسقط كيتا وحكومته قبل أوانهما.

ويؤكد اعتقال راس باث، وما تلاه من أحداث عنيفة هزت العاصمة باماكو، قبل أن يدعو إلى إيقافها تنامي قوة تأثير وسائط التواصل الاجتماعي، حيث لجأت الحكومة لاحقا إلى قطع الأنترنت، تماما مثل ما لجأت إلى ذلك حكومات قبلها أوان الربيع العربي، سعيا من الحكام حينها إلى التشبث بمقاعد أرادوها باقية على حساب شعوب داسوا على كرامتها، وحقوقها، لكن الشعوب أثبتت أنها فعالة إذا أرادت.

والواقع يقول إن راس باث سيكون أقوى بعد الإفراج عنه، وقد حظي بمدد شعبي كبير يدفع "رأسه" إلى البقاء شامخة، وبرنامجه إلى الاستمرار في "البث"، فالشعب أقوى من "السلطات العليا للصحافة والسمعيات البصرية" ومن "سيوف القضاء المسلولة" في وجه الخصوم، وسنواته الموزعة ظلما وزورا بين كل من يخالفون، لأن مالي ببساطة تختلف اختلافا كبيرا.