المناورات الموريتانية المغربية..قراءة تحليلية

منذ تغيير العاشر من يوليو1978 صُممت السياسة الخارجية الموريتانية على مقاربة الحياد الإيجابي في صراع الأشقاء حول الصحراء الغربية. ورغم اختلاف الأنظمة المتعاقبة على القطر الموريتاني، فإنها ظلت جميعُها تُدير علاقتها بالأشقاء بطريقة متوازنة وبحرفية عالية، رغم لحظات الشد و الجذب مع هذا القطر أو ذاك.

وحده نظام محمد ول عبد العزيز، فشل فيما نجح فيه سابقوه، فأورثته ترنحاته عجزا في بسط  يده ودا إلى جميع الأطراف،  لعيون الماضي المشترك و في سبيل التطلعات العربية الواحدة، التي يفترض أن تتعزز بعد رئاسته للعمل العربي المشترك.

و لم يعد سرا  ـ للأسف ـ سوء العلاقة بين موريتانيا و الشقيقة المغرب، و قد بدا رأس جبل الجليد الذي غطى علاقاتهما، منذ تخفيض التمثيل الدبلوماسي بسحب سفراء البلدين و تواصل تراجع العلاقات وخرج لدائرة الضوء بالتمثيل المغربي المتواضع في القمة العربية المنعقدة بنواكشوط.
ثم توالى التأزم و التأزيم بفعل الصحافة الصفراء في البلدين، التي مردت على بيع أحلام الوحدة التي يعد حسن الجوار و المحافظة على العلاقات العربية الثنائية بين الأقطار العربية  أخفض سلمها.

  ولذلك فكلاهما، يبحث عن فرص لاستعادة دفئ العلاقة، بحث عن الدفء في الجليد بخواطر قلقة على غرار سؤال د. حسن حنفي للجابري في حوار المشرق و المغرب " لما ذا كان حديثنا باردا؟؟"

و ليس هناك طريق أسهل لعودة الدفء من اعتماد مناورة محسوبة لا تتحول إلى معاورة، و في غمرة " التكتيك" السياسي يخيل إلى من يرى بالمنظار العادي أن الفوضى عارمة، لكن الذين لا  يستجيبون للخداع البصري وحدهم، يرون الأمور على حقيقتها.

يقول سون تزو " إذا كنت تتجه يمينا فأوهم العدو أنك تتجه يسارا" و قد بدأت مناورة القصر بتصريحات ممجوجة  لأحد مسؤولي" حزب الاستقلال المغربي" و هو أحد أدوات "المخزن" المغربي، الذي يعهد إليه بقول ما لا يأتي على ألسنة العقلاء، و قديما قيل " ذل من لا سفيه له" فالسفيه يتيح الفرصة للعقلاء أو ذوي الفعال في القصر للتفضل  بكلام يليق ب " الباب العالي".تمت المناورة في المغرب بمسح طاولة المفاوضات بقماش رث استهلك، و لذلك لم يعد الذراع الأيمن للقصر، بعد أن حل محله " حزب الأصالة و المعاصرة".

أما مناورة النظام الموريتاني المضادة، فقد عُهد بها ل حزب السلطة " الاتحاد من أجل الجمهورية " و كان بالإمكان ترشيد رد الحزب الحاكم إلى أن يصدر تصريح من حزب العدالة و التنمية الذي يقود الحكومة، و يوعز بالرد لأحد ذيوله الكثيرة المتزاحمة عند بوابة الأغلبية.
إلا إذا كان للأمر علاقة بصراع أجنحة النظام، فاختار بعضها التشبه بمقام القصر العالي و الخارجية التي تنطق بأمره و اختار لغيره أن يكون في منزلة " حميد شباط" الموغلة في الدونية و الانحدار و السقوط.

المناورة مَصيدة السياسيين غير الماهرين، فتحشرهم في عداد الغوغاء، فيتساقطون في شراكها كالذباب متوهمين أنهم يتسابقون لتسجيل النقاط، وهم في حقيقة الأمر يتدافعون  بشكل يدعو إلى الشفقة إلى المكان الخطأ، الذي يدفعهم إليه خصمهم،  يقول سون تزو ".. يجب أن نترك العدو يتحرك بناء على إشارات نطلقها له و بذلك ندفعه للمكان الذي نريد". أما السياسي الماهر، فلا يتحرك إلا وفقا لشروطه ومعطياته أو لا يتحرك، فهو يقيس تحركاته بدقة.. بذات الطريقة التي يتحرك بها الصقر صوب هدفه، بعد قياس المسافة، فيحدد على أساسها السرعة المطلوبة و جدوائية التحرك.
أُسدل الستارُ على المناورة ببيان الخارجية المغربية الرصين، و ستفتح زيارة رئيس الوزراء المغربي " عبد الإله بن كيران" الباب على مصراعيه لمباحثات جدية بين الأشقاء، يجب التأثيث لها بالماضي المشترك ـ الذي لا تابع فيه و لا متبوع ـ و التطلعات الوحدوية و التنموية الواحدة و على أساس مقاربة الحياد الإيجابي العقلانية و الواقعية و المبدئية قوميا كآلية حضارية لإدارة الاختلاف بين الأشقاء.