شكلت الأشهر الأولى من حكم الرئيس الموريتانى سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إطلاق أول تجربة فى العالم العربى لتأسيس مؤسسة خاصة بزعيم المعارضة، وتقنين جسور تواصل بين القوى الممسكة بالسلطة، والحزب الأقوى داخل المعارضة ، ضمن نموذج أعتبر الأرقى فى المحيط العربى والإفريقى.
غير أن المشاكل التى عانت منها النخب السياسية بعد انقلاب الجيش على السلطة 2008 أربك العملية فى أوج حراك الفاعلين فيها، وأعاد خلط العديد من المفاهيم داخل الساحة الوطنية، مع تراجع مستمر عن العديد من النظم القانونية التى أقرتها حكومة الوزير الأول الزين ولد زيدان، والتى سعت جاهدة لتأسيس نموذج ديمقراطى يستجيب لتطلع النخب الموريتانية، بعد عشرين سنة من حكم الرجل الواحد.
زعيم معارض برتبة وزير أو أهم هو ما أقرته النصوص القانونية لصالح زعيم المعارضة، وامتيازات مادية ومعنوية مفترضة، وشراكة سياسية تمنح الزعيم فرصة للتواصل مع صناع القرار فى الوزارة الأولى والرئاسة، لطرح بعض القضايا المهمة، وتنبيه السلطة على بعض الأخطاء أو المشاكل المطروحة داخل الساحة، مع الزام الوزير الأول والرئيس باستشارته فى القضايا الجوهرية داخل البلد.
لكن نتائج انتخابات الثالث والعشرين من نوفمبر 2013 شكلت صدمة للعديد من القوى الفاعلة فى السلطة وخارجها، بعد أن منحت صناديق الإقتراع صدارة الفعل المعارض بموريتانيا للتيار الإسلامى، الخصم الأهم للرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز خلال السنوات الأخيرة .
وقد شكل تعيين الوزير الأول يحي ولد حدمي على رأس الحكومة عامل تعقيد آخر للعلاقة المفترض بين الزعيم المعارض والسلطة الحاكمة، بفعل العلاقة التى أفرزتها انتخابات 2013 بين الإسلاميين وأبرز صناع القرار فى التولفة الوزارية الحالية، أثر اكتساح الحزب المعارض لبلدية "جكني" ( مسقط رأس الوزير الأول الحالى)، والنعمة (مسقط رأس الوزير الأول السابق)، و الطينطان( مسقط رأس وزيري الداخلية السابق والحالى).
كما عمق الحزب الشريك فى الإئتلاف المعارض (مؤسسة زعيم المعارضة) جروح الخلاف بانتداب أمين عام للمؤسسة (ادومو ولد عبدي ولد الجيد) يعتبر من الناحية السياسية والتقليدية من أبرز رموز التحالف المناوئ لرأس الحكومة فى الحوض الشرقى، أحد المقربين من رئيس البلاد المطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
أمور من ضمن اخرى سامهت فى اتخاذ السلطة لمواقف مناوئة للمؤسسة الديمقراطية، ودفعت بالجميع إلى التنكر للإلتزامات القانونية المنصوص عليها، فلا سيارة لصالح المؤسسة ولاحارس أمني لزعيمها، ولاهو ضمن شبكة الاتصالات المعلقة لكبار الفاعلين فى المشهد الموريتانى - رغم مكانته السياسية- ولا لقاء بينه وبين الرئيس أو الوزير الأول، سوى لقطات نادرة وقت رفع العلم أو تنظيم حفل رسمى بالقصر أو مسقط رأس مالك القصر، أما الوزارة الأولى فمغلقة أمامه بقرار غير معلن، والتشاور معه غير مطروح، واشراك المؤسسة فى الحياة الديمقراطية بات محل رفض من قوى فاعلة فى النظام.
ولعل الأطرف فى العلاقة بين الأطراف المذكورة، هو اصرار السلطة طيلة التشاور مع الأطراف السياسية على تجاهل مؤسسة فاعلة وموجودة، وتوجيه الدعوة فى الحوارات والتشاور المعلن وغير المعلن، لكل حامل ترخيص له مقر معلوم أو غير بلا مقر، بينما يتم استثناء زعيم المعارضة من الحراك السياسى عن قصد وسبق اصرار.
ولعل الخطوة الأكثر تأثيرا فى حراك المؤسسى هي حجب التمويل عنها، حيث سيجد الزعيم نفسه عاجزا عن تسديد رواتب عماله نهاية الشهر الجارى، مع حذف راتب شهرين من السنة القادمة، ضمن المخطط المحال الآن أمام البرلمان، بعد أن فشلت وعود الحكومة فى تجاوز الأمر، وبات انهاء التجربة الأهم فى العالم العربى مسألة تعبد لدى أبرز صناع القرار.
زهرة شنقيط / www.zahraa.mr