مرّت اليوم سنة كاملة على إعادة انتخاب فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لمأمورية ثانية، إثر انتخابات شفافة وسلمية، أكدت مجددًا ثقة الشعب في قيادته الحكيمة، وتعلّقه بمشروع وطني متماسك، بُني على التوازن والتدرج، ويترسخ بالحكمة والوفاء.
لقد مثّل هذا العام الأول من الولاية الثانية نموذجًا مصغّرًا لمشروع الدولة الذي تعهّد به فخامة الرئيس: مشروع ينمو بصمت، ويتقدّم بثقة، في محيط إقليمي متأزم ودولي صاخب، حيث تراجعت بعض الدول وتعثّرت التجارب، بينما واصلت موريتانيا، لله الحمد، في ظل قيادته، مسارها الإصلاحي بهدوء واتزان، محصّنة برؤية استراتيجية بعيدة المدى.
ويدرك هذه الوضعية كل من سافر مؤخرًا خارج الوطن، خاصة في دول منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
• نهج الحكامة
قد مكّن استمرار القيادة الهادئة والمتزنة، وتراكم الخبرة في تسيير الدولة، من تعزيز الإنصاف، وتوطيد اللحمة الوطنية، وتعزيز حضور الدولة داخليًا وخارجيًا. وكان لتعيين معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي على رأس حكومة المأمورية الثانية أثر بالغ في تسريع وتيرة الإصلاح والإنجاز، إذ تميز أداء الحكومة عمليًا – على عكس ما يروّجه البعض ممن يتغذون على التأزيم – بالانسجام، والفعالية الميدانية، والقرب من المواطن، فصارت السياسات الحكومية أكثر التصاقًا بالاحتياجات الواقعية، وأداة تنفيذية فعالة لبرنامج “طموحي من أجل الوطن”.
• الحوار والانفتاح السياسي
ضمن أبرز ما طبع السنة الأولى من المأمورية الثانية، يبرز بوضوح خيار الحوار والانفتاح السياسي، كأحد ثوابت نهج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أطلق منذ وصوله إلى السلطة خطاب تهدئة وتأسيس، بعيدًا عن التشنج والإقصاء. وقد تجلّى هذا الخيار من خلال المبادرات المتكررة لفتح قنوات التشاور مع مختلف الفاعلين السياسيين، والتعاطي مع أطياف المشهد السياسي بروح من الاحترام والتفاهم، في تجسيد عملي لتصوره حول الدولة الجامعة التي تتسع للجميع. لقد شكّل إطلاق الحوار السياسي الوطني الجامع من خلال تعيين منسق لتحضيره، شكل ركيزة أساسية في ترسيخ مناخ الثقة، الذي بات يتعزز يومًا بعد يوم، ويعبّر عن بُعد نظر فخامة الرئيس في إدارة التنوع وضمان الاستقرار.
• السياسة الخارجية
رسّخت موريتانيا خلال هذا العام موقعها كفاعل إقليمي ودولي يحظى بالاحترام، حيث قاد فخامة الرئيس رئاسة الاتحاد الإفريقي، وبرزت هذه القيادة بعقلانية موريتانية أصيلة في معالجة ملفات السلم والأمن والتنمية. وتُوّج هذا الحضور البارز، من بين أمور أخرى، بانتخاب معالي سيدي ولد التاه مديرًا عامًا للبنك الإفريقي للتنمية، في اعتراف بمكانة البلاد وبكفاءة الكادر الوطني.
• الأمن والدفاع
واصلت قواتنا المسلحة وقوات أمننا تأمين الحدود والوطن، من خلال مقاربة استباقية ناجعة، جنّبت البلاد ارتدادات الأزمات الإقليمية، دون المساس بالحريات أو الانخراط في مواجهات قد تفاقم الوضع الأمني الهش، مما قد ينعكس سلبًا على أمن واستقرار البلاد. كما أُدير ملف الهجرة غير النظامية بسياسة متزنة، تحترم الكرامة الإنسانية ومبادئ حسن الجوار، دون المساس بالسيادة الوطنية.
• العدل ومحاربة الفساد
شهد هذا القطاع جهودًا متواصلة لتحسين أداء القضاء، وتفعيل مؤسسات الرقابة والتفتيش، وترسيخ قيم الشفافية والإنصاف، بما يعزز أسس دولة القانون. وتدرك السلطات العمومية أهمية تكثيف الجهود في هذا المجال، بإشراك كافة الأطراف، بما في ذلك القوى الحية في المجتمع، من أجل تشديد الخناق على الفساد بجميع أشكاله وتجلياته.
• الحريات العامة والإعلام
رغم التحديات الأمنية والجيوسياسية، حافظت موريتانيا على موقعها المتقدم في مؤشرات حرية الصحافة والتعبير. وظل المناخ الإعلامي منفتحًا، تحكمه ضوابط قانونية توازن بين الحرية والمسؤولية، في وقت تتراجع فيه الحريات في كثير من دول الجوار. كما شهدت البلاد تقدماً ملحوظاً في رقمنة الإدارة، من خلال سرعة التواصل مع السلطات العمومية عبر منصات “عين” و”هويتي” وغيرها، مما سينعكس إيجابًا على تسهيل المعاملات وشفافيتها.
• الاقتصاد والبنية التحتية
فضلا عن عديد البرامج الهيكلية في حيز التنفيذ في الطرق والنقل والمياه والطاقة والزراعة ، تم إطلاق البرنامج الاستعجالي لتنمية نواكشوط والولايات، بغلاف مالي كبير. وهو برنامج نوعي يستهدف الاستجابة السريعة للحاجيات الأساسية للسكان الذين عبروا عنها خلال الحملة الانتخابية الرئاسية ، حيث شمل هذا البرنامج توسيع البنى التحتية، وتعزيز شبكات الطرق، والمياه، والكهرباء، وتحسين خدمات التعليم والصحة، خاصة في المناطق الأقل حظًا في التنمية. كما شهدت السنة تسارعًا في إنجاز مشاريع هيكلية اخري، مثل الطريق الاستراتيجي نحو الجزائر، ومشروع الغاز المشترك مع السنغال، كنموذج للتكامل بين السيادة الوطنية والاندماج الإقليمي، إضافة إلى تحسين أداء القطاعات الإنتاجية نحو تحقيق السيادة الغذائية.
• السياسات الاجتماعية
توسعت برامج الحماية الاجتماعية ومواكبة الفئات الهشة، وشملت هذه البرامج تحويلات نقدية ومساعدات غذائية موجهة للمناطق الريفية والأحياء الأكثر هشاشة. كما تم تعزيز رؤية فخامة الرئيس للمدرسة الجمهورية ، كمشروع وطني يعزز الوحدة والإنصاف التربوي، إضافة إلى توسيع مظلة التأمين الصحي وتحسين نوعية الخدمات العمومية إجمالا.
فيما حظي الشباب باهتمام خاص، عبر برامج للتكوين المهني، وتمويل المبادرات الريادية، وتحفيز العمل الحر، وإشراكهم في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية.
كما تم ترسيم آلاف العمال في القطاع العمومي، بعد سنوات من العمل الهش، في خطوة أنهت انتظارات طويلة، وكرّست منطق الإنصاف والاعتراف بالحقوق. وقد أظهرت التعيينات في الوظيفة العمومية خلال هذا العام ميلًا واضحًا نحو التمييز الإيجابي، عبر تمكين الكفاءات الوطنية من الفئات التي كانت مغبونة سابقًا، في تجلٍ واضح لروح العدالة والإنصاف.
• البيئة والتنمية المستدامة
وكشاهد على الديناميكية المتصاعدة في أداء القطاعات الحكومية، شهد قطاع البيئة والتنمية المستدامة – بحكم متابعتي الشخصية له – تحوّلًا بارزًا من مجال هامشي إلى أحد محاور السيادة والتنمية. فقد تم تنفيذ برامج طموحة، والمصادقة على قوانين جديدة، وعُزّزت الشراكات الدولية، واستُعيدت مصداقية عدد من المشاريع الأساسية، كمبادرة السور الأخضر الكبير، التي تبناها فخامة الرئيس كخيار استراتيجي لمكافحة التصحر وتعزيز الأمن البيئي، ودعم التنمية المستدامة. كما أُنشئت مزارع مجتمعية مدمجة في عدة ولايات لإدماج الشباب والنساء في مشاريع خضراء، ونُظمت حملات لإعادة تأهيل النظم البيئية، وتم توسيع التعاون المناخي، والاستفادة من التمويلات الدولية في هذا المجال الحيوي.
إن ما تحقق خلال هذه السنة الأولى من المأمورية الثانية لم يكن مجرد سياسات متفرقة، بل تجسيدًا عمليًا لرؤية فخامة الرئيس، التي تقوم على بناء الدولة بالصبر والمسؤولية لا بالشعارات، وتسيير الشأن العام بالحكمة والتخطيط لا بالمزايدات. وكشاهد على التلاحم الشعبي مع هذه الرؤية، أكدت جماهير مقاطعة مال ، بحكم معرفة بها اكثر من غيرها ، وطبعا كغيرها من مناطق الوطن، انخراطها العميق في المشروع الوطني، من خلال مشاركتها المكثفة في الانتخابات الأخيرة، وتعبيرها الواضح عن ثقتها في الرئيس ووزيره الأول، وإيمانها بأن التحول الجاد يبدأ من القاعدة، ويتكرّس بالفعل المتدرج، لا بالضجيج العابر.
وهكذا، شكّلت السنة الأولى من مأمورية فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لحظة التحمت فيها الرؤية الاستراتيجية مع الشرعية الشعبية، لتأسيس دولة قوية، عادلة، وآمنة، تنظر إلى المستقبل بثقة.
(*) سيدنا ولد أحمد ولد أعل