زهرة شنقيط تنشر نص خطاب الاستقلال لأول رئيس بموريتانيا

شكل استقلال موريتانيا عن فرنسا سنة 1960 لحظة فارقة في تاريخ الشعب الموريتاني، وسط اختلاف بين النخبة السياسية والإعلامية حول تسيير تلك امرحلة، بين متفهم لها، ومنحاز لما قيم به من انجازات، وبين متطلع للحظة تحرير شاملة من استغلال واستعمار المستمعر.

 

وقد شكل الحدث فرصة للرئيس الراحل المختار ولد داداه عليه رحمة الله لتوجيه خطاب للأمة الموريتانية بات تقليدا إلي اليوم، وهذا نص الخطاب :

 

 

السادة الرؤساء وقادة الدول
أصحاب السعادة
السيد رئيس الجمعية الوطنية
السادة النواب
سيداتي وسادتي

 

لن أحاول إخفاء الشعور الذي يغمرني في هذه اللحظة، لقد أصبح حلم كل رجل وكل امرأة في هذا البلد حقيقة فمنذ الآن أصبحت بلادنا تملك مصيرها بيدها وتواجه مستقبلها بعد سبات طويل تدخل الأمة الموريتانية الفخورة بثراء ماضيها مصاف الشعوب المستقلة، كيف لا نشيد هنا بالعمل الشخصي للرجل الذي استوعب –برؤية ثاقبة وغزارة فكر- تطلعات شعوب ما وراء البحار لقد استطاع الجنرال ديغول مطور سياسية برزا فيل حيث وجدت بذرة مجموعة الشعوب الحرة والمتساوية –استطاع- أن يفهم طابع التحرر –الذي لا رجعة فيه- من الاستعمار ،وضرورة هذا التطور الذي وصل اليوم إلى غايته، لقد مكن بذلك هذه الشعوب من الحصول على استقلالها في إطار الصداقة مع فرنسا ،موريتانيا لن تنسى ذلك أبدا ولن تنسى –كذلك- جميل الشعب الفرنسي ،وبمساعدتها في تحرير الأرض الإفريقية تكون فرنسا وفية لروحها ولتاريخها.

 

إن حصيلة نصف قرن من الوجود الفرنسي في موريتانيا هي –أولا- وحدة الوطن ،وكذلك مجموعة من الإنجازات مكنت في جميع المجالات من القيام بالكثير من التقدم لا يمكن تجاهله بفضل الجهود المشتركة للفرنسيين والموريتانيين ،إني متأكد أن هذا التعاون سيتواصل على أسس جديدة لمصلحة شعبينا ،إن حضوركم هنا –سيادة الوزير الأول- لهو الضمان الأكيد لذلك ونحن نثمن هذا التقدير وقد تأثرنا خصوصا بالعبارات التي وردت في خطابكم قبل قليل ،وفي هذه اللحظة الحاسمة من تاريخها ،وفي الوقت الذي تلتحق فيه موريتانيا بشقائقها في الأمم الإفريقية التي سبقتها على طريق الاستقلال يسعدني أن أحيي رؤساء الدول الإفريقية –أو وفودها –الذين أبوإلا أن يؤكدوا مجددا تضامنهم الذي لا يتزعزع معنا،إن بلدنا فخور –كذلك-بأن يحاط بحب الكثير من الأمم التي يزيد وجود ممثليها معنا هذه الاحتفالات ألقا،صحيح أن بعض الأماكن بقيت شاغرة ونتمنى أن يتم شغلها إلا أنني مقتنع بأن سوء الفهم المؤقت الذي يتولد عن ذلك سوف ينجلي قريبا،إن موريتانيا ترغب في إقامة علاقات تعاون وثيقة مع جميع الشعوب ،وكأمة إفريقية فإنها تريد توطيد علاقاتها مع الأمم الإفريقية الأخرى التي تتضامن معها في نبذ أي لجوء للعنف وكذا في البحث المشترك عن حلول لجميع المشكلات الإفريقية ،إن موريتانيا ترغب في أخذ موقعها في منظمة الأمم المتحدة التي سبقتها إليها دول إفريقية هذه السنة 1960م التي تشكل مرحلة حاسمة في تاريخ إفريقيا ،إن موريتانيا –بطبيعتها الجغرافية وتنوع سكانها – تريد أن تلعب دورهمزة الوصل بين إفريقيا الشمالية وإفريقيا السوداء وتبرهن أعراقها المتحدة أخويا على إمكانية ارتباط عالمين مختلفين حول مبدأ ومصالح مشتركة ،إن موريتانيا الواعية للدور المنوط بها لن تدخر أي جهد للحفاظ على مناخ الوئام والتعاون الوثيق الذي سيمكنها من القيام بالمهمة التي أخذتها على عاتقها.

 

كما تتمنى موريتانيا انتهاء الصراعات الدامية التي يعيشها الإخوة الأفارقة في أي مكان توجد فيه بؤرة للتوتر وخاصة في الجزائر التي يجب أن يمارس شعبها حقه في تقرير المصيروإنهاء ست سنوات من المعاناة،أما فيما يخصنا –مواطني الأعزاء- ففي الوقت الذي بدأنا فيه تحمل مسؤولياتنا الخاصة علينا أن نتمعن في الواجبات التي يمليها علينا ذلك ،مما لاشك فيه أن من حقكم أ ن تشعروا هذه الأيام بالنشوة ،فمؤسساتناالمستوحاة من المثل الديمقراطية تزاول عملها ،ويتم تنظيم الدولة من القاعدة إلى القمة علينا أن نعي جسامة العمل الذي مايزال علينا إنجازه ،في المجال السياسي – ومن أجل تهذيب الجماهير وخلق وعي مدني – تجب علينا تنمية روح التضامن ومفهوم الخدمة العمومية لتجاوز المجموعات القبلية والعرقية وبذلك –وحده –سنحقق التطورمن القبلية إلى الأمة ،وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ولضمان حياة أفضل ،وتحريرا لإنسان من قبضة الظروف الطبيعية الصعبة في بلادنا علينا أن نعطي دفعا جديدا لاستغلال ثرواتنا ،إنني متأكد أننا لن نخوض هذه الحرب وحدنا وبأننا سنحصل على المعونات الضرورية ،مثل موروثها التاريخي فإن الموروث الروحي الموريتاني ستتم المحافظة عليه بجهودنا وتضحياتنا،إن بلدناالذي قدم الكثير في الماضي من إجل إشعاع الإسلام يظل فياضا بالدين وبالحضارة الإسلامية ،ووفاء لتقاليدنا الإنسانية فإننا نرفض أي تقوقع ونؤكد روح التسامح التي استوحينامنها دستورنا .

 

هذه – أيها السادة – هي همومنا في هذه اللحظة يحتفل الموريتانيون في كل مكان باستقلال الوطن الفلاح وحضري النهر ،والمنمي في خيمته ، والعمال في المناجم وفي الورشات ، وسكان القرى والمدن بنفس الفرصة ،مع جميع الموريتانيين في الخارج ،الذين يحيون بداية عهد جديد في هذه العاصمة الوليدة أدعوكم إلى الاعتراف برمز إرادة شعب آمن بمستقبله.
عاشت موريتانيا حرة ومتآخية

 

--------------
نقلا عن كتاب موريتانيا المعاصرة