"لوهلة ظننت أن محمدو ولد صلاحي مصاب بمتلازمة ستوكهولم، وهي حالة نفسية تتعاطف فبها الضحية مع الجلاد، فرغم أنه يسرد بأدق التفاصيل صنوف العذاب الجسدي، والنفسي الذي مورس عليه، إلا أنه لا يكن أي نوع من الكراهية أو الحقد لمعذبيه، بل يحلم بيوم يجلس لاحتساء القهوة معهم والحديث عن أحوالهم!".
تذكرت هذا التعليق لأحد قراء كتاب "يوميات غوانتنامو" على موقع "غوودريدز"، وأنا أستمع إلى تصريحات أدلى بها ولد صلاحي بعد إطلاق سراحه في أكتوبر 2016، عندما أكد أنه لا يضمر غلاً لأي ممن شاركوا في معاناته التي استمرت نحو عقد ونصف، بل شكر النظام الذي سلمه بعض مسؤوليه الحاليين إلى الولايات المتحدة دون تهمة.
لقد أثار كتاب ولد صلاحي "يوميات غوانتنامو"، عند صدوره قبل عامين، ضجة عالمية كبيرة، واحتفى به القراء والناشطون الحقوقيون أيما احتفاء، ونال من الثناء والإشادة ما لم تنله أعمال أدبية عالمية لكتاب مرموقين، وترجم الكتاب -الذي يقدم تفاصيل مؤلمة ليوميات ولد صلاحي خلال 14 عاماً قضاها في حبس انفرادي بغوانتانامو - إلى لغات مختلفة وبيعت منه آلاف النسخ.
وأصبحت الملاحظات التي دوّنها ولد صلاحي بخط يده، مرجعاً قانونياً، ووثيقة لا تقبل التشكيك، ترصد التعديات الفظيعة التي تمارسها السلطات الأميركية بحق معتقلين لم توجه لأغلبهم أية تهم، ومن بينهم قصر وعجزة ومعاقون.
كنت كلما قلبت صفحة من صفحات الكتاب أتساءل عن مصدر القوة والشجاعة التي مكنت ولد صلاحي من الإصرار على كتابة هذه الفظائع ووصفها بهذا الشكل المفصل، كيف تمكن هذا السجين الهزيل، الذي سلمته بلاده للمجهول، ويتعرض يوميا لصنوف شتى من التعذيب، من مقاومة كل هذا الألم؟ كيف حافظ على قدرته على التذكر وإخراج هذا النص الذي رسم ملامح الوحش الأميركي التي تحاول واشنطن إخفاءها بشعارات الدفاع عن الحرية وحماية الحقوق؟
كنت، وغيري كثير ممن قرأوا يوميات ولد صلاحي، ننتظر خروجه من غياهب غوانتانامو لنسمع ما سيقوله هذا الرجل الذي لم ينقل فقط الصورة التي لا نراها في الإعلام لأسوأ معتقل في العالم، بل حرص على تقديمها في قالب أدبي، لم يخلو من دعابة، ولغة تتسامى عباراتها فوق الألم، وتتلمس العذر لسجانيه، في تصرف يذكر بقيم المهاتما غاندي ومواعظ الدلاي لاما.
وما زلنا ننتظر اليوم الذي يتحدث فيه ولد صلاحي -بذات الشجاعة والروح التي كتب بها يومياته- عن التفاصيل المسكوت عنها في الكتاب، ويميط اللثام عن أكثر من ٢٥٠٠ جملة شطبها الرقيب الأميركي بدعوى سريتها وتأثيرها على "السِلم العام"، فولد صلاحي يدرك أن ما عاناه في غوانتانامو وباغرام، وما تعرض له في سجون الأردن وموريتانيا ليس تجربة شخصية لكاتب أو أديب يوردها بعد عمر طويل في مذكراته الخاصة، بل معاناة عاشها مئات أو آلاف آخرون تعرضوا للتعذيب والظلم ولم يمتلكوا شجاعة محمدو وقدرته على الكتابة ربما لتوثيق هذه المعاناة.
فلا تخذلهم يا ولد صلاحي..
المصدر / مدونات الجزيرة