شكل تكليف والى ولاية الحوض الشرقى السابق محمد ولد محمد راره بمنصب وزير الداخلية فى التاسع عشر من سبتمبر 2013 رسالة منطقية لكل المتابعين للحراك السياسى بموريتانيا،وترقية مستحقة – فى نظر الكثير من أنصاره- بعد فترة من تدبير شؤون الولاية الأولى من حيث الكثافة السكانية، ومقارعة واقع بالغ التعقيد بفعل الحرب الدائرة على الحدود وكثافة اللاجئين الفارين من الشمال المالى، والعلاقة بالرجل الثانى فى هرم السلطة التنفيذية مولاي ولد محمد لغظف (الوزير الأول السابق).
ومع مرور الوقت عزز ولد محمد راره مكانته داخل هرم السلطة عبر تحالفه مع أبرز الفاعلين فيها ، وانخراطه فى الحرب الدائرة فى مقاطعة الطينطان من أجل استعادة المنطقة من أبرز الأحزاب المناهضة للتشكلة الوزارية التى يعتبر أحد أركانها، مستفيدا من عمقه الاجتماعي ومكانته فى السلطة التنفيذية.
لكن مع فرز نتائج الانتخاب مساء الرابع والعشرين من دجمبر 2013 كان ولد محمد راره – مع آخرين كثر- يتلمس طريقه للخروج من الحرج الأخلاقى البالغ الذى وقع فيه، فقد هزم مرشح الحزب المعارض سيدى محمد ولد سيدى مجمل رسل السلطة والوجهاء المناصرين لها، كما خسر ولد محمد راره عمقه الآخر لصالح الحزب ذاته بعد أن تمكن حزب تواصل من الفوز ببلدية "تنحماد" فى مقاطعة لعيون المجاورة.
لكن رحيل الرجل الثانى فى هرم السلطة مولاي ولد محمد لغظف من عرينه بعد هزيمة مشابهة فى النعمه، وتكليف الوزير الأول الحالى يحي ولد حدمين (المهزوم هو الآخر فى جكنى) بتدبير الأمور كان أسوء خبر سمعه ولد محمد راره ومعه آخرون كثر راهنوا على التمديد لمولاي ولد محمد لغظف لفترة أخرى والعمل من أجل توطيد أركان الحكم الذى كانوا أبرز مهندسيه.
تعامل الوزراء بقدر من الاستخفاف مع الوزير الأول الجديد، وتعاملوا مع قرار التكليف كعمل فردى قام به الرئيس، وراهنوا على كسر شوكته عبر تحالف تعزز بعد عودة ولد محمد لغظف المفاجئة للقصر الرئاسى فى منصب الوزير الأمين العام للرئاسة، بل إن بعضهم شبه إليه أنه الرئيس القادم للبلاد، فأزداد الشرخ داخل التولفة الحكومية ، وتحولت إلى فسطاطيين لكل أنصاره وأشياعه، فى مشهد نادر الحصول بالدول المحكومة بنظام رئاسى.
كان وزير الداخلية محمد ولد محمد راره أكثر الوزراء حدة تجاه الوزير الأول يحي ولد حدمين، ومن خلافها أنطلقت أولى الروايات المستهدفة للوزير الأول ( رمى تقرير بالعربية وإهانتها فى مجلس وزارى)،ومعه تعقدت أمور التحالف المدعوم من قبل ولد حدمين داخل الإدارة الإقليمية، وكانت عدة قطاعات وزارية أخرى تستمد نشاطها المعارض للوزير الأول من القصر والداخلية فى لعبة أثارت الكثير من الجدل داخل الساحة.
لكن مع الوقت أستعاد ولد حدمين توازنه، وقلص أنصار غريمه التقليدى داخل الدوائر الحكومية، وتساقط أعضاء الحكومة المحسوبين عليه واحدا تلو الآخر، وقد كان خروج الوزير ولد محمد راره من الداخلية وتعيين ولد عبد الله خلفا له أبرز رسائل الصراع الأخير، بل إن الخطوة تم تعزيزها بترحيل آخر الوزراء المحسوبين على مولاي ولد محمد لغظف فى الحكومة (باعصمان) فى مشهد أظهر حجم الصراع الدائر فى أروقة القصر.
أظهر ولد عبد العزيز احترامه لرغبة وزيره الأول، وتمسك بأعضاء التشكلة الوزارية المغادرين فى مناصب أخرى ، ضمن رسائل تستبطن الرضى عن الشخص وقبول الأداء الذى كان يقدمه داخل الحكومة مع تدوير فى المناصب تقتضيه المرحلة وضرورة انسجام الطاقم الوزارى بعد أشهر من التجاذب العميق، فأحيل وزير التهذيب باعصمان إلى غامبيا ووزير الصحة أحمد ولد جلفون إلى نواذيبو ووزير الداخلية محمد ولد محمد راره إلى مفوضية الأمن الغذائى ووزيرة البيطرة فاطم بنت حبيب إلى قطاع الصيد ووزيرة الرياضة إلى الشارع، والخارجية أحمد ولد تكدى إلى التقاعد ووزير العدل سيدى ولد الزين إلى الشارع، وهو نفس المصير الذى واجهه وزير التعليم العالى البكاي ولد عبد المالك، ووزير الزراعة إبراهيم ولد محمد أمبارك، ووزير الإعلام أزدبيه ولد محمد محمود إلى عمان، وأبعدت الوزيرة "هاوا تانديا" من الأمانة العامة للحكومة.
ورغم استقرار الوزراء فى المناصب الجديدة التى كلفوا بها من قبل الرئيس، وتجاوز أغلبهم الإشكال القائم مع الوزير الأول يحي ولد حدمين بفعل احترام القانون المسيير للسلطة التنفيذية، إلا أن وزير الداخلية محمد ولد محمد راره ظل فى منصبه يواجه معضلة التكيف مع مفوضة مساعدة قادمة من دهاليز النخبة الاجتماعية الداعمة للقصر، ووزير أول لم يبتلع مرارة التحدى الذى جوبه به منذ أول يوم تم فيه تكليفه بالوزارة الأولى، مع حساسيات أخرى يستحيل تجاوزها فى الأمد المنظور داخل الذاكرة الجمعوية لسكان الحوضين.
وفى التاسع من فبراير 2017 كانت الحكومة على موعد مع قرار جديد وربما تاريخى وهو إبعاد المفوض من مفوضيته وإعادة تكليفه بتسيير ولاية جديدة خلفا للوالى محمد فال ولد أحمد بوره فى سابقة فى تاريخ الإدارة الإقليمية، لم تستطع مجمل الدوائر داخل الداخلية استعابها، رغم وجود تصرف مشابه فى وزارة الثقافة والصناعة التقليدية، قال أحد ضحاياه إنه إهانة، لكنها إهانة تم ابتلاعها بفعل الواقع الصعب الذى يمر به البلد.
لقد أختزل القرار الأخير حجم التحول فى مسار الرجل الذى تمت ترقيته من والى إلى وزير بدعم من الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف ، قبل أن ينقل من وزير إلى والى بدعم من الوزير الأول يحي ولد حدمين، وفى انتظار إعلان الحكم نهاية المباراة يظل ولد محمد راره ومعه أطر كثر يدفعون ثمن الخلافات الداخلية بين رموز الأغلبية، مستسلمين لما يقرره الميدان وموازين القوى المتاحة لكل فريق!.