يزداد الاهتمام العالمي بإفريقيا في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث تتسابق الدول الكبرى لإحراز مواقع إستراتيجية و اقتصادية جديدة، أو لتعزيز الحضور في قارة تمتلك الكثير من الخيرات و الثروات و الموارد البشرية و تتوقع الإحصائيات أن تحتل الترتيب العالمي للقارات العالم من حيث حجم السكان بنسبة 25% في عام 2050، كما أن إفريقيا اليوم تعتبر الواجهة المستقبلية للاستثمار العالمي.
و نظرا لهذه الأهمية المحورية لإفريقيا، فإن الشراكة مع إفريقيا تعتبر اليوم رافدا أساسيا لأي قوة صاعدة في عالم اليوم تريد أن تحقق نهضة الاقتصادية دائمة و تحتل موقعا إستراتيجيا مؤثرا. و من هذا المنطلق يدخل الاهتمام التركي بإفريقيا التي تمكنت من خلاله بالدفع بعلاقاتها مع إفريقيا،حيث عرفت العلاقات التركية-الإفريقية على مدار السنوات الأخيرة قفزة نوعية على مستويات الدبلوماسية و الاقتصادية.
سياسة جديدة
و توثقت هذه العلاقات بفعل سياسة الانفتاح علي القارة السمراء التي تبناها حزب العدالة و التنمية الحاكم سنة 2005.و أصبحت تركيا اليوم بعد تبني سياسة الانفتاح علي إفريقيا شريكا هاما في المجالات التجارية و الاستثمارية و التنموية، و داعما أساسيا لجهود الإتحاد الإفريقي من اجل إحلال السلم و إرساء ممارسة ديمقراطية حقيقية بالقارة السمراء.
و يغذي الاهتمام التركي المتزايد بإفريقيا اعتماد الحكومة التركية لسياسية خارجية جديدة ترتكز على نظرية العمق الإستراتيجي للدولة التركية و تقوم هذه النظرية علي ربط تركيا بماضيها الإسلامي ذي الامتداد العربي و الإفريقي من اجل تأمين مصالحها و تحقيق طموحاتها التوسعية. فالحكومة التركية الحالية تسعي إلي التصالح مع محيطها العربي .
فدوافع تركيا اليوم لحط رحالها بقوة في إفريقيا دوافع متعددة منها الاقتصادي و السياسي الدبلوماسي و
الثقافي، فتركيا كقوة اقتصادية صاعدة بحاجة إلي شراكة مع القارة السمراء التي ظل ارتباطها
الاقتصادي مقتصرا على القوي الاستعمارية الغربية، التي يعود الفضل للكثير من تفوقها إلي علاقاتها
التاريخية الاستعمارية بالقارة السمراء.
رافعة الاقتصاد
يعتبر الاقتصاد ركيزة علاقات التعاون بين تركيا و إفريقيا مع تنوع مجلات التعاون بين الجانبين.
فقد عرفت العلاقات التجارية بين الجانبين على مدي الأعوام الأخيرة تطورا ملحوظا عكسه ارتفاع حجم التبادل التجاري ، فحصة إفريقيا من الصادرات التركية ارتفعت من 3% سنة 2003 لتصل 10% سنة 2013. ، كما اتسم التواصل التجاري بحركة نشطة للتجار و رجال الأعمال في الاتجاهين.
فبالإضافة للاعتبارات الإستراتيجية التي تمت الإشارة إليها كمحفزات للاهتمام التركي بإفريقيا، فأنقرة بحاجة لتنويع أسواقها خارج دائرة الإتحاد الأوروبي الذي كانت حجم الصادرات التركية الموجه إليه تصل حوالي 70% من إجمالي صادرات تركيا، فحالة الكساد التي تعيشها الأسواق الأوروبية بفعل الأزمة المالية و الاقتصادية التي اكتوت بها أوربا مؤخرا تفرض علي تركيا البحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها و مؤسساتها الاستثمارية.
و للتأسيس لعلاقات اقتصادية إستراتيجية واعدة مع إفريقيا، قامت الحكومة التركية بتنظيم عدة قمم و منتديات اقتصادية تركية-افريقية، من أبرزها القمة التركية-لإفريقية بمشاركة جميع الدول الإفريقية،وذلك علي غرار القمة الإفريقية -الفرنسية و القمة الإفريقية-الهندية.
و نتيجة لهذه السياسية بلغ حجم التبادل التي بين إفريقيا و تركيا 23.5 مليار دولار سنة 2013 مقارنة ب 750 مليون دولار سنة 2000.
و ساهم دخول الخطوط الجوية التركية للسماء الأفريقية في تنشيط حركة التواصل التجاري بين الجانبين، و يؤمن أسطول الخطوط الجوية التركية حاليا رحلات منتظمة لأزيد من 20 عاصمة افريقية.
مجالات أخري للتعاون
و تتجاوز المشاريع التركية بأفريقيا الأبعاد التجارية و الاقتصادية إلي الجوانب الصحية و التعليمية و الاجتماعية و الثقافية. ففي الجانب الإنساني و الاغاثي توسع نطاق تدخل إدارة التعاون و التنسيق التركي "تيكا" بفتح مكاتب جديدة بدول القارة، و تمتلك الوكالة حاليا مئات المشاريع في حوالي 40 بلد إفريقي.
و لا تقتصر جهود التدخل في المجال الإنساني في إفريقيا على الجهود التي تقوم بها الحكومة التركية من خلال وكالة "تيكا"،فمع مساهمة تركيا بنحو 800 مليون دولار لدعم مشاريع الإغاثة الرسمية ببعض الدول الإفريقية في عام 2013، فهناك جهود كبيرة للعديد من المنظمات الأهلية التركية بإفريقيا.
و تحتل الأبعاد الثقافية و التعليمية و الدينية هي الاخري حضورا معتبرا في مسار العلاقات التركية-الإفريقية. فمن بين الأدوات التي تستخدمها تركيا لتوسيع دائرة نفوذها بإفريقيا الروابط الدينية و التاريخية مع إفريقيا و تفعيل الاهتمام بمنظمة التعاون الإسلامي، التي يأتي في طليعة أهدافها "تعزيز التضامن الإسلامي بين الدول الأعضاء و تعزيز التعاون بينها في المجالات الاقتصادية و الصحية و الاجتماعية و التعليمية".
نختم بالقول أن مستقبل العلاقات التركية-الإفريقية هو مستقبل واعد على ضوء المعطيات التي تمت الإشارة إليها، إلا أن تركيا بحاجة لتنسيق هذا الحضور مع دول شمال إفريقيا التي تتقاسم مع تركيا إرثا تاريخيا كبيرا من جهة ، و من جهة أخري فان هذه البلدان تمتلك ثقلا سياسيا و دبلوماسيا في القارة السمراء بحكم التاريخ و الجغرافيا و دور بعض هذه الدول في دعم الحركات الإفريقية المناهضة للاستعمار و في تأسيس الإتحاد الإفريقي.
كما أن استمرار هذا الحضور بحاجة لخلق تكتل دولي مؤثر لا يتعارض مع طموحات تركيا، و ذلك لتحقيق اختراق نوعي بالقارة السمراء، فالدول الغربية تنسق طبيعة تدخلها بإفريقيا، و عليه فإن البلدان الأخرى التي تنهج سياسية الانفتاح علي إفريقيا كالصين و الهند و البرازيل بحاجة هي الأخرى لتنسيق سياساتها تجاه القارة السمراء.