أبرز رسائل التعديل الدستورى الأخير (خاص)

شكل نجاح الجمعية الوطنية فى تمرير التعديل الدستورى يوم الخميس 9 مارس 2017 أول خطوة باتجاه تنفيذ الوعود التى أطلقها الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز يوم الثالث من مايو 2016 من مدينة النعمه، رغم معارضة معارضيه وتحفظ بعض الداعمين له .

 

ورغم أن رسالة الأغلبية داخل الجمعية الوطنية كانت قوية وواضحة، إلا أن الخطوة الأهم ستكون فى مجلس الشيوخ، حيث سيختار الداعمون للرئيس مابين تمرير وعده أو التمديد فى عمر المجلس، الذى بات بحكم فتوى المجلس الدستورى منتهى الصلاحية رغم كل القوانين العضوية التى أقرها البرلمان.

 

وهذه أبرز الرسائل التى يمكن استنباطها من عملية التجاذب الأخيرة داخل البرلمان وخارجه :

 

(*) تقدير أمنى غير دقيق : كانت الخطة الأمنية التى أقرتها الداخلية، وحجم الاستنفار فى محيط الجمعية الوطنية تشى بتقدير خاطئ لحجم المخاطر المحدقة بالبرلمان والفاعلين فيه، فى ظل معلومات غير دقيقة عن وجود مخطط للفوضى ، ربما تم التخطيط له خارج الحدود، وساهم فى تشويش الرؤية الأمنية بعض الدعوات الداعية لاحتلال البرلمان من قبل رباط الجهاد وبعض رواد الفيسبوك.

 

(*) تصرف مرتبك  وغريب : التقدير الأمنى الخاطئ دفع الحكومة الى ارتباك غلط آخر، وهو الانزلاق نحو القمع الأمنى غير المبرر، والقسوة فى التعامل مع الأحزاب السياسية التى مارست حقها فى التظاهر، وهو أساء لصورة البلد وحول الأمر من تجاذب بين السياسيين إلى دفع الأمور باتجاه التصعيد، ربما لإحباط التعديل من طرف بعض القوى الفاعلة فى الأغلبية عبر بوابة الفوضى والحرص عل فرض هيبة الدولة.

 

(*)  اهتمام كبير : أظهر التعديل الدستورى المطروح أمام البرلمان فى الوقت الحالى حجم الاهتمام الذى توليه الأحزاب السياسية للحدث مقارنة بما حصل 2011 و2006، وهو مايفسر حجم الحضور لجلسات الجمعية الوطنية من كل الأطراف السياسية الفاعلة، وإصرار قادة الأحزاب الممثلة فيها على الجلوس أكثر من 48 ساعة  من أجل الحضور فى النقاش وإبداء الرأي والتصويت لصالح المشروع أو ضده.

(*) المقعد الشاغر : أظهر التعديل الدستورى والزخم الذى رافقه حجم الخطيئة التى أرتكبتها القوى المعارضة للرئيس 2013 بمقاطعتها للانتخابات التشريعية، حيث قتلت أحزابها فى الواقع، وغيبتها عن الفعل المشروع داخل المؤسسات، وبدت فى الشارع أقرب لحراك المبادرات الشعبية منها للأطر القانونية المعمول بها.

 

(*) ضعف بعض الموالين : كما أظهر  التعديل الدستورى والنقاش الذى سبق التصويت ضعف بعض الموالين للرئيس، فكانت المداخلات مثار سخرية وتندر، فبدل الركون إلى النقاش الجاد، تحول الأمر إلى مهرجان لعرض أكثر الأفكار سخافة ( تنصب الرئيس ملكا وهو المبشر بالانسحاب من الساحة)، وإثارة النعرات العرقية والفئوية داخل البرلمان، والتعامل بعنف لفظى مع المخالف مهما كان، ومحاولة حرمان البعض من التعبير عن رأيه بدل إضفاء قدر من التنوع على الجلسة البرلمانية التى يتابعها الرأي العام بشكل كبير.

(*) مكانة البرلمان : أظهرت الجلسات المتتالية للجمعية الوطنية أن البرلمان بتشكلته الحالية مقبول من الناحية السياسية. وكانت مداخلة رموز المعارضة وبعض قادة الأغلبية مهمة وذات تأثير فى نفوس المتلقين لها، رغم غياب أبرز الفاعلين فى الساحة السياسية عنه بفعل مقاطعة البعض وعدم ترشيح الأخر.

 

(*)  حضور فاعل للإسلاميين : كان حضور الإسلاميين للنقاش وتصويتهم على الدستور رسالة إيجابية للرئيس والفريق الحاكم، فقد زكوا التعديل من الناحية السياسية وأظهروا أنهم شريك سياسى مشاكس فى حدود القانون، متحفز للسلطة دون قفز على الواقع، حاضر فى البرلمان والشارع، ملتزمين بقرارات الحزب الذى ينتمون إليه،  ومنحازون للخط الذى يمثلونه فى النقاش والتصويت.

(*) ضعف التكوين والقدرة على الإستعاب : أبان النقاش عن ضعف التكوين السياسى لدى بعض الممسكين بزمام الأمور فى الأغلبية، وفى مقدمتهم رئيس الجمعية الوطنية ذاته. فقد تم التعامل بصورة غير أخلاقية مع الصحفيين فى حدث إعلامى بالدرجة الأولى، وتم التعامل بمنطق أخرق مع المعارضين من خلال التشويش على مداخلة النائب محمد غلام، وهي الأهم من حيث التأثير داخل الحزب الذى ينتمى إليه فى الوقت الراهن، والضرورية للأغلبية ذاتها من أجل اظهار صورة ديمقراطية عن البلد الذى تديره. ناهيك أنها حق مكفول للرجل الثالث فى البرلمان.

 

كما أظهر التعديل ضعف رئيس الجمعية الوطنية اذ يمنح الوقت للبعض فيعترض النواب ويجبرونه على وقف قراره، ولعل غياب التنسيق المسبق مع النواب هو السبب للتناقض الذى ظهر به، بينما كان نائبه الخليل ولد الطيب أكثر مرونة وفهما للسياق المحيط به، وحاول التملص منه علنا حينما طالب النواب بتوضيح جهة الخرق القانونى فى التسيير المتفق عليه للوقت ، قائلا إن الرأي العام يتابع ويجب أن تحدد المسؤوليات بدقة كبيرة فى محاولة للتملص من أخطاء رئيسه.

(*) نواب الحزب وشيوخ الرئيس : أظهر النقاش الذى سبق الجلسة والنقاش داخلها ونتائج التصويت أن الرئيس يتعامل بطريقة مختلفة مع النواب والشيوخ، فالنواب أقرب للانضباط والحزبية، لذا أحال ملفهم إلى رئيس الحزب الذى أداره خلال الأسبوعين الماضين، وتدخل فيه بشكل مباشر، بينما أحتفظ بملف الشيوخ لنفسه، فأستقبل وناقش ووعد وعرض وطالب ولايزال ينتظر نتائج الحصاد!.

 

(*) عمق الخلاف داخل التحالف : أظهر الجدل الدائر داخل الجمعية الوطنية عمق الخلاف الدائر داخل حزب التحالف الشعبى التقدمى المعارض بين رئيس الحزب مسعود ولد بلخير وأهم نواب الحزب (المعلومة بنت بلال) وخروج الأمر عن سيطرة النقاش الداخلى إلى فضاء العمل العام، بعد أن قررت الأخير الطعن فى التعديل الدستورى لوقفه داخل المجلس الدستورى، وظهرت مناقشة لتوجهات حزبها فى أكثر من موقف.

(*) ضعف الأحزاب المحاورة والمقاطعة : كما أظهر النقاش داخل الجمعية الوطنية والمواقف المتخذة داخلها ضعف الأحزاب السياسية المحاورة (باستثناء الوئام والتحالف) والأحزاب المقاطعة ، حيث عجز رؤساء تلك الأحزاب والقوى الفاعلة فيها عن التأثير على نائب واحد على الأقل، أو ظهورهم بمظهر المتحكم فى شيخ واحد، ولو من باب العلاقات الاجتماعية التقليدية المعمول بها داخل البلد.