بعد مرور قرابة أسبوع على إسقاط التعديلات الدستورية من طرف مجلس الشيوخ الموريتاني، الذي شكل زلزالا سياسيا كبيرا في البلاد، جاءت أخيرا ردة فعل الرئيس عزيز المنتظرة هذا المساء.. وهي ستشكل بطبيعة الحال موضوعا خصبا لتحليلات لا تنتهي.. كما سيقيمها الرأي العام الوطني والدولي..
في اعتقادي، تابعنا الليلة ردود فعل رجل سلطة كان يبدو منتهيا من الناحية السياسية.. وعلى كل المستويات النفسية والبدنية والأخلاقية. شاهدنا هذا المساء، رجلا متشنجا، مرتبكا، متناقضا، وغير مقنع البتة.
لم تكن ردود الرئيس عزيز بالمستوى الذي كان متوقعا.. ولا حتى ضمن حدود مقبولة.. كثرت انفعالات وتناقضات الرئيس.. ضايق محاوريه باستمرار.. وحاكم الشيوخ الرافضين للتعديلات بل ووبخهم، منكرا عليهم حقهم المطلق في حرية التصويت كمؤسسة دستورية..كما اتضح أن الرئيس لا علم له بعرف سائر حتى في أعرق الديمقراطيات يسمى بحق المعاقبة من خلال التصويت، حيث يستطيع الناخبون معاقبة حزبهم على بعض خياراته دون أن يسقطوا في أتون الخيانة
اتضح بأن الرئيس منهار تماما من الداخل، رغم محاولاته الظهور متماسكا.. ضمن أحداث مسرحية تعيسة.. كان أمامنا هذا المساء رجل منفعل إلى درجة العجرفة، لا هو مرتاح ولا هو مريح للأخرين، بدا الرئيس مغرورا ومتغطرسا إلى حد الوقاحة.. وضع نفسه فوق الجمهورية .. وفوق الديمقراطية.. وفوق الجميع.. إنها عقدة "الأبوية" المتضخمة لديه.. صرح بأنه لم يخلق للاستقالة ولا للفشل..
ذكرنا الرئيس عزيز هذه الليلة بحكام مغرورين دخلوا التاريخ صدفة.. وخرجوا منه صدفة.. وصلوا إلى الحكم، لكنهم تميزوا بإنفاذ قراراتهم الذاتية وغرابة أطوارهم ونزوعهم إلى التسلط المطلق لفرض أنفسهم بطريقة غريبة.. لم يكونوا رجال دولة بل رجال سلطة فحسب: نيرون، الحجاج، الحاكم بأمر الله الفاطمي، روبسبير، هتلر، إيفان الرهيب، بول بوت، أتيلا الهوني، موسوليني، باتيستا، بوكاسا.. واللائحة تطول.
ظهر الرئيس عزيز كمن يحاول التمسك بالسلطة ولو اعتمادا على قشة مهما كانت هشة وضعيفة.. كانت قشته القانونية هي المادة 38 رغم كل ما يثار حولها من جدل قانوني، أما قشته السياسية فهي نتائج الحوار الذي جرى السنة الماضية بين الأغلبية وجزء من المعارضة، رغم أنه لم يكن حوارا شاملا ولا موضوع إجماع وطني، إضافة إلى أن مخرجاته كانت هزيلة وباهتة للغاية..
ظهرت ضحالة الرئيس عزيز الذي لا يكاد يتمتع بأدنى إلمام بأبجديات دستور بلاده، رغم أنه يفترض فيه أن يكون على رأس حماته وضامنه الأول، بل إنه لا يدرك حتى أبسط الأمور حول أجزاء الدستور، حيث يخلط بين المواد عند ذكره لها.. وغير مطلع إطلاقا على وجود الفصل 11 المتعلق بمسطرة مراجعة الدستور..
أظهر الرئيس عزيز خلطا فاضحا وعجزا مطلقا عن إيجاد حجج وبراهين أو مبررات تتمتع بالحد الأدنى من الٌإقناع والمصداقية.. بل لجأ إلى استعمال عمليات حسابية غريبة ومتناقضة لاحتساب تصويت البرلمان.. لا أدري حقيقة كيف كان الرئيس عزيز ينجح في مادة الحساب أثناء مراحل دراسته..
المقادير بيد الله.. لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بمصير هذا الرجل الذي كان يتحدث هذا المساء بصعوبة جمة.. كان رجلا منتهيا.. .. وكأن سنه الحقيقية زادت بعشرات السنين فجأة.. خلال أسبوع واحد.. بدا "جثة سياسية" كما وصفه المفكر أبو العباس ولد ابرهام، في مقال سابق.
من حين لآخر.. كانت كاميرا التلفزيون تظهر وجوه شخصيات الأغلبية في خلفية المشهد.. ديكور سياسي باهت.. حزين.. ومرتبك.. باختصار، إنها أغلبية مفككة.. ومصدومة.. بعد تلقيها لأول ضربة سياسية قوية جاءت من داخلها عبر مجلس الشيوخ.. أغلبية نازفة سياسيا وشعبيا.. وأخلاقيا.. أغلبية ضعيفة المرتكزات السياسية، منشغلة بالصراعات الهامشية والمصالح الضيقة..أغلبية مساومة ومتاجرة لا أغلبية إصلاح..ونجاح..
باختصار.. لم يكن الرئيس عزيز -هذا المساء- واقعيا.. ولا حكيما.. ولا شجاعا بالمرة.. لأنه لم يرد أن يصدق بأن العد التنازلي المحتوم لنهاية سلطته قد بدأ فعلا منذ مقابلته الأخيرة مع قناة فرانس24، عندما صرح بأنه لا ينوي الترشح لرئاسيات 2019.. لم يتجرأ الرئيس عزيز على قراءة الشرخ الحاصل داخل أغلبيته في هذا السياق.. ولم يستطع أن ستقرئ اللحظة التاريخية للخروج من الباب الواسع.. بل فضل بكل بساطة..الهروب إلى أمام.
وبهذا المنطق.. لن تستطيع موريتانيا أن تخرج ناعمة.. من عنق الزجاجة..
فهل بدأت تراجيديا جديدة في تاريخ هذا البلد المسكين..؟
محمد المخطار شنقيط