ولد محمد فال والعودة للقصر .. بين متاعب الانتخاب ومخاطر الانقلاب (*)

شكل السادس من أغشت 2008 لحظة تحول فى الحياة السياسية بموريتانيا، أربكت مجمل الفاعلين فى الساحة، بعد أن قتلت الأمل لدى النخبة المؤمنة بالديمقراطية – بحسب البعض- وأعادت الأمل للشعب فى رأي آخرين ناصروا قائد الانقلاب الجديد محمد ولد عبد العزيز ومهدوا لقرار الجيش بشأن الرئيس المعزول سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله فى اليوم ذاته.

 

غير أن العقيد اعل ولد محمد فال قائد المجلس الأعلى للديمقراطية والوحدة الحاكم سابقا كان أبرز ضحايا الحركة الانقلابية التى قادها زميله فى المجلس الأعلى للدولة وابن عمه الجنرال محمد ولد عبد العزيز، بعد أن قضت على طموحه فى العودة للسلطة عبر تحالف انتخابي جديد فى أول فرصة تتاح للنخبة السياسية بعد انتهاء مأمورية ولد الشيخ عبد الله، وتقديم نفسه للعالم العربى والغربى كقائد لأحسن تحول ديمقراطي بالقارة السمراء خلال العقود الأخيرة، والظهور بمظهر الرجل القوي الممسك بزمام الأمور طيلة سنتين من حكم الجيش، والعازف عن الاستمرار فى السلطة مع إمكانية العودة إليها على أكتاف الجماهير فى أي لحظة.

تصاعدت وتيرة الرفض داخل الشارع بعد إعلان الانقلاب، وتعالت أصوات المعارضين لحكم الجيش وعزل الرئيس، وتحالفت قوى سياسية وحزبية وبعض أبناء المؤسسة العسكرية من أجل استعادة الأمور، وفرض عودة الرئيس المدنى الذى أزاحه قائد الأركان الخاصة اللواء محمد ولد عبد العزيز، وسط تحالف دولى ضاغط باتجاه العودة للديمقراطية فى أسرع وقت ممكن، وميزاج شعبى منقسم بين القوى المتحالفة من أجل الشرعية ( الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية)، وتحالف آخر أوسع يرى فى الجنرال محمد ولد عبد العزيز رجل المرحلة، رغم المخاطر التى عاشتها البلاد خلال شهور الانقلاب الأولى، ونذر الصدام بين الداعمين للجيش والمعارضين لانقلابه.

صمت العقيد اعل ولد محمد فال عدة أشهر، رغم اللاءات المشهورة التى أطلقها وهو يغادر كرسى الرئاسة ( لا انقلاب بعد 2007 / لاقطع للعلاقة مع اسرائيل/ لاتدخل فى الحياة السياسية من قبل الجيش). وحاولت مجمل القوى المناهضة للرئيس الجديد دفع الرجل إلى الإعلان عن موقفه بشكل مبكر، لكنه ظل يرفض التصريح أو التلميح لرفضه للانقلاب، مكتفيا بإجراء سلسلة من الاتصالات الدولية، قال أعوانه فى فترة لاحقة إنها عبرت عن رفضه للانقلاب أو التمرد كما يسميه بطريقته الخاصة.

 

الخروج للعلن  والطعن فى شرعية الرئيس

 

مع توصل القوى السياسية لاتفاق جزئي لإنهاء الأزمة السياسية بالعاصمة السنغالية دكار، قرر العقيد اعل ولد محمد فال دخول اللعبة السياسية من أوسع أبوابها كمرشح مستقل، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع مع غيره من رموز المشهد المثخن بفعل قوة الصراع ، لكن الحصيلة كانت ثقيلة ومفاجئة وصادمة، مقارنة بأحلام الرجل ومكانته بين أنصاره وتجربته داخل المجلس الأعلى للديمقراطية والوحدة، حيث لم يتجاوز حصاده 3% من أصوات الناخبين فى شوط الانتخابات الوحيد.

نتيجة كانت ثقيلة وذات تأثير كبير فى معسكر المعارضة الموريتانية، مما دفع بثلاثة من رموزها (اعل ولد محمد فال – أحمد ولد داداه/ مسعود ولد بلخير) إلى الإعلان بشكل جماعى عن رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التى أدارها وزير معارض، متهمين بعض الحروف بقلة الانسجام والتحرك بين خانات المرشحين دون استئذان (الباء الطائرة)، ومعلنين عن وقوع عمليات تزوير واسعة داخل البلد.

 موقف قابله التيار الإسلامي  أو حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية على الأصح بموقف آخر أقل رفضا وأقرب للواقعية السياسية، بعد أن أقر مرشحه محمد جميل ولد منصور بفوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قائلا إن كل الأدلة التى جمعها والمحاضر التى توصل بها تثبت فوز الرجل، معربا عن اعتراف الحزب ومرشحه بنتائج الانتخابات، ومتطلعا إلى مرحلة جديدة من التدافع السياسى ، لعلها تنقذ البلد من مصير بلدان أخرى، حملتها الخلافات والصراعات إلى أتون الفوضى والحرب الأهلية.

نتيجة أجبرت الرئيس العقيد اعل ولد محمد فال على الخروج من صمته، محملا  خليفته سيدى ولد الشيخ عبد الله مسؤولية ما آلت إليه الأمور فى موريتانيا، قائلا فى مقابلة شهيرة مع صحيفة "الأمل  الجديد" إن الرئيس سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله لو عمل بنصيحته لما وقع انقلاب جديد.

وأتهم العقيد اعل ولد محمد فال ابن عمه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بقيادة تمرد سنة 2008 وتكريسه بتمرد آخر سنة 2009 وتمرد ثالث سنة 2014 . قائلا إنه أصيب بالإحباط وفقدان الأمل بفعل ما آلت إليه أمور البلد، بعد تجربة كانت حافلة بالعطاء (2005-2007) ، ضحى من أجلها أغلب الضباط برتبهم ومكانتهم لصالح التأسيس لديمقراطية قابلة للاستمرار، وبناء أسس دولة العدل والقانون.

 

إحباط دفع الرئيس اعل ولد محمد فال إلى الدخول فى حرب إعلامية شرسة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأركان حكمه، منتقدا الوضعية الأمنية التى وصفها بالهشة، قائلا إن البلد تحول إلى مرتع للدواعش، وإن القاعدة وأخواتها يكتتبون خيرة الشباب بشكل يومى من كل أنحاء البلد داخل المساجد وخارجها،  وإن قائد التمرد يدرك ذلك، ولكنه عاجز عن القيام بأي خطوة لوقف المسار الخطير الذى تتجه البلاد إليه منذ انقلابه على إرادة الأمة ووقف مسار التحول الديمقراطي بموريتانيا.

 

 

التلويح ب"العنف أو الانقلاب"...

 

ولد محمد فال المدعوم بقوة من دوائر عربية وغربية، مع تحالف عريض داخل الساحة السياسية بموريتانيا (المنتدى الوطنى للديمقراطية والوحدة) قرر الانتقال من مهاجمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه إلى التلويح بوضع حد للنظام الممسك بزمام الأمور داخل البلد أو إنهاء التمرد القائم - حسب وصفه- ، ولو بالقوة.

وفضل ولد محمد فال فى مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية فى فبراير 2012 أن يأتى التغيير عبر الضغط الشعبى بدل وقوع انقلاب عسكرى جديد، قائلا إنه يريد "حلا توافقيا يفضي إلى فترة انتقالية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة".

وأنتقل ولد محمد فال من معسكر الرفض الشخصى إلى التحالف مع كل القوى المناوئة للرئيس، حيث عزز موقعه داخل المنتدى الوطنى للديمقراطية والوحدة المعارض،وتحالف مع ابن عمه المقيم فى مراكش المغربية محمد ولد بوعماتو، بعد بيانه الصادر فى الثامن عشر من فبراير 2013 والذى أنتقد فيه  ما أسماه تصفية الحسابات التى عمد إليها النظام الحالى، فى إشارة إلى استهداف رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو، قائلا إن استهدافه يكشف للرأي العام "أي مدى يمكن أن يصل سلوك نظام لا يتراجع أمام أي شيء كي يسلب أموال الذين يرفضون الطغيان والظلم".

وفى محاولة لتعزيز موقعه داخل الجوار الإقليمي وتقديم نفسه كبديل محتمل للرئيس الحالى قرر  التمترس إلى جانب المملكة المغربية فى صراعها مع جبهة البوليساريو ، ليكون بذلك أول رئيس موريتانى يزور مدينة الداخلة منذ وقف الحرب بين موريتانيا والجبهة 1978، مقرا بسيادة المغرب على المناطق الصحراوية، ومنخرطا فى تحالف المحور التقليدى (باريس – الرباط- دكار)، وهو المحور الذى دخل فى مواجهة مفتوحة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال السنوات الأخيرة.

 

هل أزفت لحظة الانقلاب؟

 

تعقيد الأزمة السياسية بموريتانيا، وفشل القوى السياسية فى التوصل إلى مخرج من الوضع الراهن، وانهيار الحوار الجزئى بين الأغلبية والمنتدى قبل فترة، وتفاقم الخلاف الموريتانى المغربى، وخروج الخلاف الدائر بين الرئيس والأوربيين إلى مرحلة التلاسن العلنى، وانخراط قوى سياسية جديدة فى الحراك المعارض للرئيس (الشيوخ) ، وتفاقم الخلافات داخل الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، كلها ملامح أزمة يرى فيها أغلب المعارضين لنظام الحكم أهم فرصة للإطاحة به، وإعادة إنتاج نظام سياسى بآليات جديدة وأوجه قديمة.

 وقد أظهرت التحركات الأخيرة للعقيد اعل ولد محمد فال فى عدة عواصم غربية وعربية ( باريس – مالطا – الرباط- دكار) أن حراك المناوئين لمحمد ولد عبد العزيز فى تصاعد، وأن العقيد اعل ولد محمد فال ربما يكون قاطرة التحول الديمقراطى من جديد فى موريتانيا، أو ربما تنتهى به الأمور ومسارات الحدث إلى قيادة انقلاب آخر، ينهي الجدل الدائر منذ 2008 بين النخب السياسية فى موريتانيا، ويعيد للرجل مكانته التى فقدها بفعل نفوذ بعض رفاقه داخل المجلس العسكرى للديمقراطية والوحدة الحاكم سابقا ( محمد ولد عبد العزيز / محمد ولد الغزوانى).

محاولة قد تكون مكلفة للرئيس اعل ولد محمد فال فى حالة فشلها، لكنها قد تكون عودة مثالية لرجل قدم نفسه للعالم يوم الثالث من أغشت 2005  كقائد لأول انقلاب عسكرى يحظى بمباركة كل القوى الحركية والسياسية داخل البلد، منذ انخراط الجيش فى مسار الانقلابات 1978.

مخاوف بدت حاضرة لدى الرجل كما تقول بعض الدوائر القريبة منه خلال الفترة الأخيرة، من خلال العمل على التخفف من ممتلكاته التى جمعها خلال فترة توليه منصب الإدارة العامة للأمن الوطنى إبان حكم العقيد معاوية ولد الطايع، وهي ممتلكات مهددة اليوم فى بعض جوانبها بالمصادرة أو الضرائب من ابن عمه الممسك بزمام الأمور  فى الوقت الراهن، كما حصل مع "منتجع طريق المقاومة" الذى انتزعت الحكومة نصفه لصالح شركة الكهرباء، وربما تخطط لانتزاع البقية من أجل إقامة بعض مشاريعها التنموية فى الفترة القليلة القادمة.

ويتحدث العارفون بكواليس العملية السياسية داخل البلد عن تخلى الرجل عن منتجعه بإينشيرى لصالح نافذ آخر مقابل مبالغ مالية طائلة، وعن عرض عدة أسواق ومنازل داخل لكصر والميناء للبيع بأثمان كافية لتمويل حملة انتخابية مبكرة أو لتأمين مستقبله داخل إحدى الدول العربية أو الغربية فى حالة وقوع أي مغامرة غير مضمونة النتائج ، لايستبعد حصولها أي متابع للشأن السياسى بموريتانيا فى الفترة الأخيرة.

 

 

(*) 

يصر الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن على نفى اي دور محورى أو مساعد للرئيس اعل ولد محمد فال فى انقلاب 2005 ، لكن الأخير يرفض ويعتبر أنه صاحب الفكرة والمبادرة.