هل تخلت الحكومة عن فقراء الحوضين؟

 فى الخامس والعشرين من ابريل 2017 خضعت بعض الآبار المغذية لنواذيبو للصيانة بالتزامن مع زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز للمدينة، فوفرت الحكومة صهريجين و20 حاوية للمياه، وكلفت فريقا متكاملا من عمال الشركة الوطنية للمياه بتوفير الخدمة لطالبيها فى مجمل أحياء المدينة الساحلية.

 

مشهد عكس مستوى الاهتمام الذى قوبلت به المدينة، والتجاوب السريع مع أزمة العطاش فيها، لكنه مشهد يعكس حجم التناقض القائم داخل البلد، والإهمال الذى تعامل به قرى ومدن أخرى فى مناطق واسعة من البلاد، لاينتمى إليها مدير الشركة الموفرة للخدمة، ولم يبرمج لها الرئيس أي زيارة، وغير قابلة أصلا للاستفادة من مشاريع التنمية أو توزيع القطع الأرضية على المنكوبين فيها من مقدمى خدمة التعليم.

 

فى مدينة تمبدغه أقدم مدن الشرق الموريتانى بلغت أسعار المياه الصالحة للشرب خلال الأيام الأولى من شهر مايو الجارى 4 آلاف أوقية للبرميل الواحد، بينما بلغت المياه المالحة المتوفرة داخل بعض الأحياء من الآبار القديمة  ألف و500 أوقية.

 

وفى مدينة لعيون "عروس الشرق الموريتانى"تبدو الحياة كئيبة بفعل العطش الذى يضرب المنطقة بالكامل، بينما يتطلع السكان إلى نجدة محدودة من جيوب أبنائها العاطلين عن العمل وشبه العاطلين، بعد أن تخلت الحكومة عن المنطقة بشكل واضح لايحمل التأويل، ولم تجد الأصوات المتصاعدة فى اختراق أسوار التمييز والتهميش الذى باتت ترزح تحته المدينة والنخب الفاعلة فيها منذ فترة.

 

وفى النعمة عاصمة الولاية الأولى ومسقط رأس كبار السياسيين بالمنطقة، يتحرك حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض لملأ الفراغ الذى خلفه انسحاب الحكومة من واقع الناس، محاولا لملمة مآسى السكان وتوفير المياه لطالبيها من فقراء المدينة – وهم كثر- دون أن تحظى الأحياء المحاصرة بالبؤس بتدخل من مجمل الشركات العاملة فى المنطقة أو تدخل مشابه لما حصل فى نواذيبو قبل أسبوعين فقط.

 

ولاتبدو مقاطعة "كرو" فى أحسن أحوالها، فالخزان الذى وعدت به قبل فترة يترنح بفعل ضعف الجهة المكلفة بالتنفيذ وغياب الرقابة الحكومية، والأزمة الداخلية بادية فى أكثر من منطقة من المدينة الثائرة رغم العطش والاستهداف وتعثر الواقع التجارى الذى كانت تعتمد عليه خلال السنوات الأخيرة.

 

ملامح بؤس لاتجد لها أي صدى داخل العاصمة نواكشوط أو قرارات الحكومة كل خمس. بينما يتحرك بعض كبار السياسيين من أجل تنظيم بعض الرحلات الاستعراضية، بغية أقناع العطاش الجياع بالتصويت على التعديل الدستورى، والتدخل لحسم الخلاف الدائر بين الحكومة وبعض أعضاء مجلس الشيوخ.

 

حراك أستبقته المفوضة المكلفة بالأمن الغذائى بتحريك سيارات المفوضية باتجاه بعض المناطق الداخلية، لتوزيع بعض التمور ، وهي هدية غير مرغوب فيها محليا بفعل اختلاف الذوق بين الفاعل والمستهدف، لخلو الوجبات التقليدية لساكنة المنطقة من "التمور" محلية كانت أو مستوردة.

 

 تصرف يعكس حجم التراجع المسجل فى برامج الرعاية الاجتماعية بموريتانيا، والنظرة التى بات ينظر بها الجهاز التنفيذى للسكان أوقات الأزمة وخلال شهور الصيف بالتحديد، فكل أوقية موجهة لفقير بالمنطقة سفه، وكل حبة أرز تمنح هدية لمزارع محاصر بالديون تبذير، وكل مشروع تم تمويله لبعض الجياع العاجزين عن التنقل نحو المدينة تكريس لثقافة الماضى، وكل توزيع مجانى للمواد الغذائية على القرى وآدوابه سلوك بدائى، وكل صوت – مهما كانت وضعية صاحبه- مهم ومطلوب ومحل ترحيب!.